يمثل الحديث الذاتي ذلك الصوت الخافت الذي لا يفارقنا طوال اليوم. هو المرافق الدائم لتفكيرنا، والموجه الخفي لسلوكنا ومواقفنا. وتزداد أهمية الحديث الذاتي عند الحديث عن القيادة والوعي الذاتي، خاصة إذا كنا نسعى لتطوير أنفسنا وتحقيق تأثير إيجابي في الآخرين.
ومن خلال تحليل شخصيتي القيادية باعتباري من نمط INFJ، ومن خلال ما ورد في الواجب القرائي الاتصال غير العنيف، سأستعرض كيف يمكن للحديث الذاتي أن يكون أداة بناء لا هدم، ودافعاً للتغيير لا عائقاً.
الحديث الذاتي ونوع القائد الذي أنا عليه
كنمط INFJ، أُعتبر من القادة ذوي الرؤية الإنسانية والعاطفة العميقة. أؤمن بالمعنى والهدف، وأرى أن القيادة الحقيقية ليست سلطة بل تأثير نابع من الثقة والاحترام. هذا يجعلني أميل إلى الحديث الذاتي التحليلي والعاطفي، الذي يبحث عن القيم في كل موقف. ( أبو زعيزع ، 2009 )
من خلال حديثي الذاتي أطرح أسئلة مثل: هل كنت عادلاً في قراري؟ كيف سيؤثر كلامي على زميلي؟ هل تواصلت بصدق؟. هذا النوع من التفكير يعكس حساسية عاطفية عالية، لكنه قد يقود أحياناً إلى النقد الذاتي الزائد، وهو ما أحاول التوازن فيه عبر الحديث الذاتي الإيجابي المتعاطف.
أهدافي القيادية وحديثي الذاتي
أطمح إلى أن أكون قائداً يزرع الأمان و يلهم التغيير، ويبني علاقات إنسانية حقيقية وأستخدم حديثي الذاتي كمرآة أقيس من خلالها مدى تحقق هذه الأهداف. فمثلاً، عندما أقيم زميلاً، لا أتوقف عند الملاحظات التقنية، بل أقول لنفسي: هل سيشعر أنه مسموع؟ هل قدمت الملاحظات بلغة بناءة؟ هذا التفكير يعكس تطبيقاً فعليا لمفهوم الاتصال غير العنيف الذي ينطلق من فهم المشاعر والاحتياجات قبل الحكم.
تسخير نقاط القوة والضعف في التواصل
أحد أبرز نقاط قوتي هي القدرة على التعاطف والاستماع بعمق، وهذا ما يدعمه نمط INFJ. ولكن في المقابل، قد أجد صعوبة في التعبير الحازم، مما قد يؤدي إلى كبت بعض الآراء لتجنب إيذاء الآخرين. هنا يلعب الحديث الذاتي دوراً حاسماً في تصحيح المسار. ( مايو كلينك ، 2023 )
على سبيل المثال، أقول لنفسي: من حقي أن أعبر عن رأيي دون أن أكون جارحاً، أو يمكنني قول الحقيقة بلطف، وهذا لا يتعارض مع قيمي.
ما الذي أحتاج لتغييره لأصبح أكثر سعادة وفاعلية؟
أدرك أن السعي للكمال قد يرهقني، وأنني بحاجة إلى تخفيف ضغط التوقعات العالية من نفسي ومن الآخرين. أحد تماريني في الحديث الذاتي هو: أنا إنسان أتعلم، لست مطالباً بالكمال، أو يكفي أن أكون صادقاً لا مثالياً ومن خلال تطبيق خطوات التواصل المتعاطف مثل الملاحظة دون حكم، والتعبير عن الشعور، وطلب الدعم بوضوح ، أتمكن من بناء حوار صحي مع نفسي والآخرين.
حديثي الذاتي في تقييم الأقران
عندما أقيم زميلاً، فإن أول ما يراودني هو تساؤلات داخلية: هل كنت موضوعياً؟، و هل قدّرت جهده؟، هل سيكون لكلماتي أثر إيجابي؟. هذه الأسئلة ليست عشوائية، بل هي ناتجة عن حديث ذاتي يغذي وعيي الذاتي. وكل مرة أطرح فيها هذه التساؤلات أتعلم شيئاً جديداً عن نفسي وعن طريقتي في القيادة. ( موقع النور ، 2018 )
وفي الختام إن الحديث الذاتي ليس مجرد أفكار عابرة، بل هو مادة خام لصياغة شخصية قيادية ناضجة. وبالنسبة لي كنمط INFJ، الحديث الذاتي هو أداة تأمل وتصحيح وبناء. وعندما يتناغم هذا الصوت الداخلي مع مبادئ الاتصال المتعاطف، فإنه لا يقودنا فقط إلى قيادة أكثر فاعلية، بل إلى حياة أكثر وعياً وسلاماً داخلياً. إننا بحاجة إلى ترويض هذا الصوت ليكون مرشداً لا ناقداً، وشريكاً لا خصماً.
المراجع :
موقع مايو كلينك . ( 2023 ) . التفكير الإيجابي : توقف عن الحديث السلبي مع النفس للتخلص من التوتر . تم الاسترجاع من الرابط
موقع النور . ( 2018 ) . التواصل غير العنيف (( المتعاطف )) . تم الاسترجاع من الرابط
https://alnnour.com/archives/68166
أبو زعيزع ، عبد الله . ( 2009 ) . أساسيات الارشاد النفسي والتربوي . عمان ، الأردن : دار يافا للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط