بعد تأملي في
واجب المناقشة السابق وما أثارته من ذكريات وأسئلة، وجدت نفسي أعود إلى ذاتي
وأسأل: كيف أرى نفسي ومجتمعي في تفاعلهم مع الرعب الخيالي؟ وما الذي يخيفني حقاً؟
الإجابة لم تكن بسيطة فقد اتضح لي أن علاقتنا بالخوف متجذرة ومعقدة، تتجاوز حدود
الخيال والأساطير، لتصل إلى أعماق النفس والواقع اليومي.
في طفولتي مثل
كثيرين من أبناء دمشق، لم يكن الخوف مجرد إحساس عابر، بل كان جزءاً من التربية
اليومية فالخرافات الشعبية مثل أبو دبي والغول لم تكن فقط حكايات مسلية تروى قبل
النوم، بل كانت وسيلة لضبط السلوك وتوجيه الأطفال، وإن كان ذلك أحياناً بأسلوب
مخيف، كنا نصدق أن هناك أصواتاً تخرج من بيت الأبرش المهجور، وكنا نركض عند المرور
بجانبه دون أن ننظر خلفنا، لا لشيء إلا لأننا سمعنا حكايات عن صرخات في منتصف
الليل.
لكن عندما كبرت
تغير شكل الخوف، لم يعد الغول مرعباً بقدر ما كانت بعض المواضيع السياسية
والاجتماعية ترعبنا بمجرد التفكير فيها، فقد كنا نخشى حتى الحديث في جلسات
الأصدقاء عن قضايا معينة، نبتلع الكلمات ونتقن لغة الإشارة والهمس خوفاً من
العواقب، لقد كان الرعب الاجتماعي والسياسي واقعاً ملموساً، لا يرى لكنه يشعر به
في كل زاوية من الحياة العامة.
ومع ذلك حدث
تحول ملحوظ بعد التحرير، تحررت الألسن قبل أن تتحرر المدن و أصبح الناس يتحدثون
بصوت عال، يناقشون قضايا كانت في السابق من المحرمات و ارتفعت جرأة المجتمع،
وتقلصت رقعة الخوف السياسي، ليحل محلها وعي جديد وشجاعة في التعبير عن الرأي، صحيح
أن الرعب لم يختف تماماً، لكنه لم يعد هو الحاكم الصامت الذي يدير حياتنا من
الظلال.
أما عني فأكثر
ما يخيفني ليس الأشباح أو الظواهر الخارقة، بل الشعور بالوحدة والخذلان. الخوف
الذي لا يرى، لكنه يسكن الروح. قصة أنت لي وحدي التي قرأتها هذا الأسبوع، أثارت في
داخلي هذا النوع من الرعب، الرعب النفسي الذي ينبع من الداخل و من الذكريات و من
الأحلام التي تكشف أسراراً لا نجرؤ على الحديث عنها في الواقع، كنت أرى في بيت
القصة صورة مشابهة لبيوت دمشق القديمة أبوابها مغلقة لكنها مليئة بالأسرار
والهمسات.
الرعب الخيالي
في مجتمعي لم يكن أداة تسلية فحسب، بل كان انعكاساً للخوف الحقيقي المعاش، الذي لم
يكن يحكى عنه صراحة نحن نخلق الرعب الخيالي أحياناً لنخفي رعباً حقيقياً لا يمكن
تسميته.
وفي الختام
يمكنني القول إن الرعب في مجتمعي لم يعد كما كان، صحيح أننا لا زلنا نحمل آثار
أساطير الطفولة، وصور البيوت المسكونة، لكننا بتنا نفهم أن ما يخيفنا حقاً ليس
الأشباح بل الصمت و القهر والذكريات التي لا تشفى والرعب الحقيقي اليوم بالنسبة لي
هو أن نفقد إنسانيتنا والفتنا.
الخلاصة:
النص يناقش تطور
مفهوم الخوف في المجتمع الدمشقي من الطفولة حتى الحاضر. في البداية ارتبط الخوف
بالخرافات الشعبية مثل "أبو دبي" و"الغول" وبيوت يُعتقد أنها
مسكونة، والتي استُخدمت كوسيلة لتربية وضبط سلوك الأطفال. مع التقدم في العمر،
تحوّل الخوف من الأساطير إلى الرعب الاجتماعي والسياسي، حيث كان الصمت والخوف من
الكلام هو السائد. بعد التحرير تغيّرت الصورة وظهرت شجاعة جديدة في التعبير عن
الرأي، رغم بقاء آثار الخوف القديمة. الكاتب يوضح أن أكثر ما يخيفه شخصياً ليس
الأشباح، بل الوحدة والخذلان والرعب النفسي الكامن في الداخل، مؤكداً أن الرعب
الحقيقي اليوم يكمن في فقدان الإنسانية لا في الأساطير.
Summary:
The text explores how the concept of fear
in Damascene society has evolved from childhood to the present. Early fears
were rooted in folklore—such as “Abu Dubi,” “the
Ghoul,” and haunted houses—used as tools for discipline. As people grew older,
fear shifted from myths to social and political terror, where silence often
felt safer than speaking. After liberation, society grew bolder in expressing
opinions, though traces of old fears remained. The writer emphasizes that his
greatest fear is not ghosts but loneliness, betrayal, and inner psychological
dread, concluding that today’s true horror lies in losing our humanity rather
than in mythical creatures.
المراجع :
Reuauh . ( دون تاريخ ) . انت لي وحدي . موقع واتباد .
تم الاسترجاع من الرابط