في كتاب الأزمة المالية العالمية . (2010 ) . يقدم الدكتور سميح مسعود
تحليلاً معمقاً لدور السياسة النقدية الأمريكية في تفاقم الأزمة المالية التي هزت
الاقتصاد العالمي في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ويرى الكاتب أن
هذه السياسة، التي انتهجها الاحتياطي الفيدرالي خلال أوائل القرن الواحد والعشرين،
لعبت دوراً رئيسياً في تضخم فقاعة سوق الإسكان، والتي كانت من بين الأسباب
الرئيسية لانهيار الأسواق المالية في عام 2008.
قرارات محفوفة بالمخاطر
بعد أزمة انفجار فقاعة الإنترنت في عام 2000 وهجمات 11 سبتمبر 2001.
فقد خفض البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة بشكل حاد، ليصل سعر الفائدة الأساسي
إلى مستويات متدنية، مما جعل الاقتراض رخيصاً وسهلًا . كان الهدف من هذه السياسة
تحفيز الاقتصاد وتشجيع الاستثمار وتعزيز النمو، لكن تأثيرها الجانبي غير المقصود
كان تغذية فقاعة الأصول، وخاصة في سوق الإسكان ، أدى ذلك الى زيادة في الإقراض
العقاري، حيث استغلت البنوك هذه الفرصة لتقديم قروض عقارية بمعدلات فائدة مغرية،
حتى للأفراد الذين لم تكن لديهم القدرة المالية الكافية لتحمل ديون طويلة الأجل.
التضخم ثم الانفجار
إن توفر الاقتراض السهل أدى إلى خلق طلب هائل على العقارات، وهذا ما
انعكس على ارتفاع أسعارها بشكل غير طبيعي. وقد عززت هذه الخطوات من اعتقاد
المستثمرين والمقترضين بأن الأسعار لن تنخفض، مما دفعهم إلى مزيد من الاقتراض
والشراء، في حلقة متواصلة من المضاربة غير المستدامة.
وقد لعبت المؤسسات المالية الكبرى، مثل البنوك الاستثمارية وشركات
الرهن العقاري، دورًا أساسيًا في تضخيم هذه الفقاعة من خلال بيع أدوات مالية معقدة
تعتمد على قروض الرهن العقاري، مثل الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية
والمشتقات المالية وقد اعتبر أن هذه الأدوات زادت من تعقيد الأزمة، حيث تم إعادة
بيع الديون العقارية في الأسواق المالية دون إدراك المخاطر الحقيقية الكامنة فيها.
الانهيار
لكن كما هو الحال مع أي فقاعة، لا يمكن أن يستمر التضخم غير الطبيعي
إلى الأبد. عندما بدأت أسعار الفائدة بالارتفاع مجددًا بعد عام 2004، وجد العديد
من المقترضين أنفسهم غير قادرين على سداد أقساط قروضهم، خاصة في ظل العقود ذات
الفوائد المتغيرة. ومع تزايد حالات التخلف عن السداد، بدأت أسعار العقارات في
التراجع، مما أدى إلى حالة من الذعر بين المستثمرين والبنوك.
يشير الدكتور مسعود إلى أن التراجع المفاجئ في أسعار العقارات كشف ضعف
النظام المالي، حيث انهارت قيمة الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية،
وتكبدت البنوك خسائر هائلة. وبلغت الأزمة ذروتها عندما أفلس بنك ليمان براذرز في
سبتمبر 2008، وهو الحدث الذي أدى إلى انهيار النظام المالي العالمي، وأجبر
الحكومات والبنوك المركزية على التدخل العاجل لإنقاذ الاقتصاد.
لماذا كانت السياسة النقدية مسؤولة؟
إن السياسة النقدية الأمريكية لم تكن السبب الوحيد للأزمة، لكنها كانت
عاملاً رئيسياً في خلق بيئة مالية محفوفة بالمخاطر. فبدلاً من تبني سياسات نقدية
متوازنة، اختار الاحتياطي الفيدرالي الإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة لفترة
طويلة، مما شجع على المضاربة المفرطة والاقتراض غير المسؤول.
بالإضافة الى أن غياب الرقابة الصارمة على المؤسسات المالية كان
عاملاً آخر في تفاقم المشكلة. فقد سمحت القوانين المالية المتساهلة للبنوك بالتصرف
بحرية دون ضوابط كافية، مما أدى إلى انتشار الإقراض عالي المخاطر والابتكارات
المالية غير المستدامة.
وفي الختام نرى أن السياسة النقدية الأمريكية خلال أوائل القرن الواحد
والعشرين لم تأخذ بعين الاعتبار العواقب طويلة الأجل لخفض أسعار الفائدة بشكل
مفرط. ورغم أن هذه السياسة نجحت في تحفيز الاقتصاد على المدى القصير، إلا أنها
ساهمت في خلق فقاعة اقتصادية ضخمة أدت إلى واحدة من أسوأ الأزمات المالية في
التاريخ الحديث.
المراجع :
مسعود ، سميح . ( 2010 ) . الأزمة المالية العالمية . عمان ، الأردن :
دار الشروق للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط