في زمن تزداد فيه الضغوط والتغيرات المتسارعة في بيئة العمل، لم تعد
القيادة تقتصر على اتخاذ القرار أو إدارة الموارد، بل أصبحت ترتكز على فهم أعمق
لسلوك الأفراد ودوافعهم، وهنا برز مفهوم القيادة العصبية كمنهج علمي مدعوم ببحوث
في علوم الدماغ.
إذن ما هي القيادة العصبية؟
القيادة العصبية هي استخدام مبادئ علم الأعصاب لفهم كيفية تفكير
الأفراد واستجابتهم داخل بيئة العمل، ومن ثم توجيه هذه الاستجابات نحو أداء أفضل
وتحفيز أعلى. يستند هذا النوع من القيادة إلى معرفة كيفية عمل الدماغ البشري، وما
يحفز الناس، وما الذي يجعلهم يترددون أو يفقدون تركيزهم. ( ديفيد روك . د ت )
من خلال هذا الفهم، يستطيع القائد خلق بيئة آمنة ومحفزة تستند إلى قيم
الاحترام، والوضوح، والاستقلالية، والانتماء، والإنصاف، وهي الركائز التي تشكل
نموذج سكارف (SCARF) الذي طوره ديفيد روك.
إلى أي مدى أمتلك هذه القيادة؟
أرى أنني أمتلك أساسيات القيادة العصبية، حيث أمارس الإنصات، وأفكر
بتأثير قراراتي على الآخرين، وأسعى لبناء بيئة عمل آمنة نفسياً. إلا أنني بعد الواجب
القراءة للوحدة الخامسة أدركت أن هناك الكثير لأطوره، خصوصاً في جانب فهم تأثير
التهديد والمكافأة على أداء الزملاء .
كيف أشرحها للآخرين؟
عندما تحدثت مع زميلي في العمل حمزة، استخدمت مثالاً بسيطاً:
تخيل أنك قائد فريق في حالة ضغط، إذا استخدمت كلمات غامضة أو تحكمت
دون تفسير، فإن دماغ الفريق سيشعر بالتهديد وسيتوقف التفكير الإبداعي، أما إذا
قدمت توجيهات واضحة، ومنحتهم حرية المبادرة، فإنهم سيشعرون بالتحفيز والراحة،
وسيقدمون أفضل ما لديهم. هذه هي القيادة العصبية ببساطة.
ملاحظات قدمتها لزميلي حمزة
خلال نقاشنا، شاركت حمزة أن القيادة العصبية ليست نظرية مجردة، بل
طريقة حقيقية للتفاعل مع زملائنا. أخبرته أن أول خطوة هي الانتباه إلى إشارات
التهديد أو المكافأة التي يتلقاها الموظفون في بيئة العمل. ناقشنا كيف أن كلمة
واحدة قد تعزز الشعور بالأمان أو العكس. اقترحت عليه أن يلاحظ كيف يتغير أداء
الفريق عندما يشعرهم بالأهمية أو يتيح لهم اتخاذ قراراتهم بأنفسهم. كما شددت على
أهمية عدم توجيه الانتقاد المباشر، بل استخدام أسلوب يعزز الإنصاف ويشجع النقاش
المفتوح. وأشرت إلى أن نموذج سكارف يقدم لنا أدوات عملية لتعديل سلوكنا كقادة.
حمزة أعجب بالنموذج، ووافقني على أن تعزيز الصلة والتحكم الذاتي كانت نقاط ضعف
سابقة في تواصله مع فريقه.
تمرين تطبيقي مع الشريك وتعليق على النقاش
قررنا القيام بتمرين داخل فريقنا الإداري في العمل. طلبنا من كل عضو
في الفريق تقييم شعوره في مجالات نموذج سكارف الخمسة: الحالة، اليقين، التحكم
الذاتي، الصلة، والإنصاف. كانت الخطوة التالية أن نجري تعديلاً بسيطاً في أسلوب
تواصلنا، بحيث نزيد من وضوح التعليمات (اليقين)، ونمنح الموظفين مرونة أكبر في
تنفيذ المهام (التحكم الذاتي)، ونتأكد من إشراكهم في اتخاذ القرار (الإنصاف). ( موقع مجرة ،
د ت )
بعد أسبوع من تطبيق هذا الأسلوب، لاحظنا تحسناً واضحاً في تفاعل
الفريق، وكان ذلك محور حديثي مع حمزة. أبرز ما تعلمته من التمرين هو أن الدماغ
يستجيب بشكل حاد للتهديدات الاجتماعية حتى لو كانت صغيرة، كالإقصاء أو الغموض.
لذلك، عندما نراعي هذه التفاصيل في التواصل، فإننا نحدث فارقاً كبيراً في أداء
وتحفيز الفريق. حمزة أكد أن تحسين الصلة مع الموظفين ساعده على بناء ثقة جديدة
كانت غائبة سابقاً. أصبح الحوار بيننا أكثر تعاوناً، وأصبح الفريق يبادر بدلاً من
انتظار الأوامر.
ماذا تعلمته لهذا الأسبوع :
هذا الأسبوع كان محورياً لفهمي لمفاهيم القيادة العصبية ونموذج سكارف
والتواصل اللاعنفي. من خلال قراءة الواجب القرائي فهمت أن الدماغ لا يفرق بين
التهديد الجسدي والتهديد الاجتماعي، مما يوضح لماذا قد يشعر الموظف بالإرهاق من
مجرد تجاهل فكرة طرحها أو غموض في المهام . أما نموذج سكارف، فقد أعطاني أداة
عملية أستطيع استخدامها كل يوم: كيف أرفع من شعور الموظف بالأهمية؟ هل أوضحت له
الصورة؟ هل يشعر بأنه جزء من الفريق؟ هذه الأسئلة أصبحت موجهاً لتصرفاتي. من ناحية
التواصل اللاعنفي، أدركت أن الكلمة قد تكون أداة بناء أو هدم. يجب أن نعي أن أسلوب
التواصل هو مفتاح العلاقات المهنية الصحية. باختصار، القيادة العصبية ليست مهارة
نولد بها، بل هي علم يمكن تعلمه وتطبيقه لتصبح قائداً حقيقياً يلهم الآخرين ويحرك
طاقاتهم. ( روزنبرغ ، 2013 )
وفي الختام فإن القيادة لم تعد فناً يعتمد فقط على الكاريزما، بل علماً
يرتكز على فهم الدماغ البشري، وتقدير ما يحفز الأفراد ويقيدهم. من خلال القيادة
العصبية، أصبحنا نملك أدوات حقيقية لتحفيز الآخرين، وتحقيق نتائج فعلية وملموسة.
المراجع
ديفيد روك . ( دون تاريخ ) . دماغك في أثناء العمل . ترجمة خلود
غرايبة . مكتبة العبيكان . تم الاسترجاع من الرابط
موقع مجرة . (
دون تاريخ ) . نموذج سكارف . تم الاسترجاع من الرابط
روزنبرغ
، مارشال . ( 2013 ) . التواصل غير العنيف في يومياتنا . قسنطينة ، الجزائر : دار
الالمعية للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط