يعتبر فهم
العلاقة بين النقود والتضخم من المحاور الأساسية في علم الاقتصاد النقدي. ومن أبرز
النظريات التي تطرقت إلى هذا الجانب نظرية الكمية الحديثة التي قدمها ميلتون
فريدمان، والتي أعادت صياغة النظرية الكمية للنقود بربطها بتوقعات الأفراد
وسلوكهم، وكذلك نظرية تفضيل السيولة النقدية التي طرحها جون ماينارد كينز، والتي
ركزت على دوافع الاحتفاظ بالنقود ودورها في تحديد سعر الفائدة. تهدف هذه المقالة
إلى تحليل هاتين النظريتين وأثرهما في فهم السياسات النقدية والاقتصاد الكلي.
أولاً - نظرية
الكمية الحديثة لفريدمان
تعتبر نظرية الكمية الحديثة امتداداً للنظرية
الكمية التقليدية للنقود ، لكنها تميزت بإضافة بعد جديد يتعلق بسلوك الأفراد في
الاحتفاظ بالنقود ، يرى فريدمان أن الطلب على النقود يشبه الطلب على أي أصل آخر،
حيث يتأثر بالدخل ، والتضخم المتوقع وأسعار الفائدة والعوائد المتوقعة على الأصول
البديلة .
أهم الافتراضات التي تقوم عليها النظرية بحسب
القطابري (
2009 )
1 - ثبات سرعة دوران النقود نسبيًا: بخلاف النظرية الكلاسيكية التي اعتبرت
أن سرعة دوران النقود ثابتة تمامًا، أشار فريدمان إلى أنها قد تتغير على المدى
القصير لكنها تبقى مستقرة على المدى الطويل .
2 - العلاقة بين عرض النقود ومستوى الأسعار: يرى فريدمان أن أي زيادة في
عرض النقود تؤدي إلى ارتفاع مستوى الأسعار، مما يؤدي في النهاية إلى التضخم إذا لم
يكن هناك نمو اقتصادي حقيقي يعوض هذه الزيادة
3 - التوقعات الرشيدة: أكد فريدمان على أن الأفراد يتخذون قراراتهم
النقدية بناءً على توقعاتهم للمستقبل ، وبالتالي فإن السياسة النقدية لا تؤثر على
الإنتاج والتوظيف إلا على المدى القصير، بينما يكون تأثيرها طويل الأجل مقتصرًا
على الأسعار فقط .
آثار النظرية على السياسة النقدية
- التحكم
في التضخم: يجب أن يكون النمو في عرض النقود متناسبًا مع معدل النمو
الاقتصادي لتجنب التضخم المفرط.
- دور
البنك المركزي: يتعين على البنك المركزي التركيز على استهداف نمو عرض النقود
بدلاً من التدخل المستمر في الاقتصاد، حيث إن تأثير السياسة النقدية يكون
محدودًا على المدى الطويل.
ثانيًا - نظرية
تفضيل السيولة النقدية
وبحسب القطابري ( 2009 ) فعلى نقيض نظرية
فريدمان، قدم كينز نظرية تفضيل السيولة التي تفسر سبب احتفاظ الأفراد بالنقود
بدلاً من استثمارها وفقاً لكينز فإن الطلب على النقود يعتمد على ثلاثة دوافع
رئيسية :
1 - دافع المعاملات : الأفراد والشركات يحتفظون بالنقود لتغطية نفقاتهم
اليومية .
2 - دافع الاحتياط : الحاجة إلى السيولة لمواجهة الحالات الطارئة غير
المتوقعة .
3 - دافع المضاربة : الاحتفاظ بالنقود بهدف الاستفادة من التغيرات في
أسعار الفائدة، حيث يفضل الأفراد الاحتفاظ بالنقود إذا توقعوا انخفاض أسعار
السندات (أي ارتفاع أسعار الفائدة)
.
العلاقة بين النقود وسعر الفائدة
- يرى
كينز أن هناك علاقة عكسية بين الطلب على النقود وسعر الفائدة ، فكلما ارتفع
سعر الفائدة، قلت رغبة الأفراد في الاحتفاظ بالنقود وزاد الاستثمار في الأصول
المالية ، والعكس صحيح .
- أشار
كينز إلى ما يعرف بـمصيدة السيولة ، حيث يصبح الطلب على النقود غير مرن
تماماً عند مستوى منخفض جداً من أسعار الفائدة ، مما يحد من فعالية السياسة
النقدية في تحفيز الاقتصاد .
آثار النظرية على السياسة النقدية
أهمية سعر الفائدة يجب أن تركز البنوك المركزية
على إدارة أسعار الفائدة لتوجيه الاستثمار والإنفاق .
كما أن محدودية السياسة النقدية عندما يكون
الاقتصاد في حالة ركود شديد مع أسعار فائدة منخفضة ، قد لا تكون زيادة عرض النقود
كافية لتحفيز النمو الاقتصادي بسبب مصيدة السيولة .
وفي الختام تمثل كل من نظرية الكمية الحديثة
لفريدمان ونظرية تفضيل السيولة النقدية لكينز رؤيتين مختلفتين حول تأثير النقود
على الاقتصاد ، حيث ترى نظرية فريدمان أن التغيرات في عرض النقود تؤثر بشكل رئيسي
على الأسعار في الأجل الطويل ، في حين تؤكد نظرية كينز على دور سعر الفائدة في
تحديد مستوى الطلب على النقود والاستثمار.
لذلك، يعتمد اختيار النهج المناسب على طبيعة
الاقتصاد والمرحلة التي يمر بها، حيث قد تكون نظرية كينز أكثر فعالية في فترات
الركود ، بينما تبرز نظرية فريدمان في فترات الاستقرار والنمو الاقتصادي .
المراجع
القطاربي،
محمد ضيف الله . (2020) . دور السياسة النقدية في الاستقرار والتنمية الاقتصادية.
عمان ، الأردن : دار غيداء للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط