تلعب السياسات
النقدية دوراً رئيسياً في تحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال التحكم في العرض
النقدي وأسعار الفائدة ، ومع ذلك فإن تحقيق استهداف متزامن لهذين المتغيرين قد
يكون مستحيلاً في بعض الأحيان بسبب القيود الاقتصادية والهيكلية ، بالإضافة الى
ذلك تتدخل البنوك المركزية في أسواق العملات الأجنبية للحفاظ على استقرار العملات
وتعزيز الاقتصاد ، ومن جهة أخرى، أثرت اتفاقية بريتون وودز بشكل كبير على نظام
أسعار الصرف ، مما أدى إلى تغييرات دائمة في كيفية تفاعل الأسواق المالية
العالمية.
1 - لماذا
يستحيل تحقيق الاستهداف المتزامن للعرض النقدي وأسعار الفائدة في بعض الأحيان؟
يعتبر استهداف
العرض النقدي وأسعار الفائدة في آن واحد من التحديات الكبرى التي تواجه البنوك
المركزية ، وذلك بسبب العلاقة العكسية بينهما ، فبحسب الموسوي ( 2017 ) ، تعتمد
السياسة النقدية على تحقيق التوازن بين حجم النقود المتداولة وسعر الفائدة المناسب
لتحفيز النمو الاقتصادي أو كبح التضخم .
فعند زيادة
العرض النقدي ، ينخفض سعر الفائدة نتيجة لوفرة السيولة في الأسواق ، ما يؤدي إلى
تحفيز الاستثمار والاستهلاك ، و بالمقابل إذا قررت السلطات النقدية رفع أسعار الفائدة
للحد من التضخم ، فإن ذلك سيؤدي إلى تقليص العرض النقدي المتداول وهنا تكمن
الإشكالية ، حيث لا يمكن للبنك المركزي التحكم في متغيرين متناقضين في وقت واحد.
ومثال على ذلك
عندما طبقت الولايات المتحدة سياسة نقدية تستهدف العرض النقدي في أوائل
الثمانينيات ، تذبذبت أسعار الفائدة بشكل حاد ، مما تسبب في عدم استقرار الأسواق
المالية ، هذا يؤكد أنه إذا اختارت البنوك المركزية استهداف سعر الفائدة ، فإن
العرض النقدي يصبح متغيراً تابعاً والعكس صحيح .
2 - كيف تتدخل
البنوك المركزية في أسواق العملات الأجنبية؟
تستخدم البنوك
المركزية عدة أدوات للتدخل في أسواق العملات الأجنبية بهدف تحقيق استقرار العملة
الوطنية ودعم السياسات الاقتصادية فبحسب العايب
و بوخاري ( 2013 ) ، فإن البنوك المركزية تتدخل من خلال :
أ - السياسة النقدية : تغيير أسعار الفائدة
للتأثير على تدفقات رؤوس الأموال مما يؤثر على قيمة العملة المحلية .
ب - التدخل
المباشر : شراء أو بيع العملات الأجنبية في الأسواق لدعم أو خفض قيمة العملة
الوطنية .
ج - إدارة
الاحتياطات الأجنبية: استخدام الاحتياطات من العملات الصعبة لضبط أسعار الصرف في
أوقات التقلبات الحادة .
ومثال على ذلك تدخل
البنك المركزي الأوروبي في عام 2011 لشراء كميات كبيرة من اليورو لمواجهة انخفاض
قيمته أمام الدولار ، مما ساعد في استقرار الأسواق المالية كما أن بعض الدول مثل
الصين تستخدم سياسات صارمة للتحكم في سعر صرف اليوان للحفاظ على ميزة تنافسية في
التجارة العالمية .
3 - تأثير
اتفاقية بريتون وودز على تقلب أسعار الصرف
وضعت اتفاقية
بريتون وودز في عام 1944 لإنشاء نظام نقدي عالمي مستقر بعد الحرب العالمية
الثانية، حيث تم ربط العملات العالمية بالدولار الأمريكي، والذي كان مدعومًا
بالذهب ( فنون ، 2019 ) .
أدى هذا النظام
إلى تقليل تقلبات أسعار الصرف من خلال توفير سعر صرف ثابت ، مما عزز الاستقرار
المالي والتجاري ، ومع ذلك أدت بعض العوامل إلى انهيار الاتفاقية في أوائل
السبعينيات مثل:
- زيادة الإنفاق الحكومي الأمريكي خلال حرب
فيتنام ، مما تسبب في انخفاض احتياطات الذهب .
- فقدان الثقة في قدرة الدولار على الحفاظ على
قيمته .
و بعد انهيار
الاتفاقية أصبحت العملات الرئيسية تعتمد
على نظام التعويم الحر، مما زاد من تقلبات أسعار الصرف نتيجة لعوامل السوق مثل
العرض والطلب ، والسياسات النقدية والأوضاع الجيوسياسية.
ومثال على ذلك
ما شهده الجنيه الإسترليني من تقلبات حادة في قيمته بعد خروج بريطانيا من الاتحاد
الأوروبي عام 2016، حيث تأثرت السوق بعوامل غير متوقعة .
وفي الختام إن
استهداف العرض النقدي وأسعار الفائدة في الوقت ذاته قد يكون مستحيلاً بسبب التفاعل
العكسي بينهما، في حين أن التدخل في أسواق العملات الأجنبية يلعب دوراً حاسماً في
تحقيق الاستقرار النقدي ، أما اتفاقية بريتون وودز، فقد ساهمت في تقليل تقلبات
أسعار الصرف ، لكن انهيارها أدى إلى نظام جديد يعتمد على تعويم العملات.
المراجع :
العايب ، وليد و بوخاري ، لحلو . ( 2013 ) . اقتصاجيات البنوك
والتقنيات البنكية . بيروت ، لبنان : مكتبة حسن العصرية للنشر والتوزيع . تم
الاسترجاع من الرابط
https://platform.almanhal.com/Reader/Book/50752
الموسوي ، ضياء . ( 2017 ) . إدارة السياسات الاقتصادية الكلية . الجزائر
، الجزائر : مؤسسة كنوز للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط
https://platform.almanhal.com/Reader/Book/121377
فنون ، مؤمن . ( 2019 ) . اتفاقية بريتون وودز . موقع موضوع . تم
الاسترجاع من الرابط