القيم الاخلاقية و قضية بيسموهان باني

تؤثر القيم الأخلاقية للفرد على سلوكياته ونشاطه اليومي ولهذا تعتبر قيمنا ما يميز شخصياتنا وتؤثر على سلوكنا وتصرفاتنا ، وحتى على ثقتنا بالآخرين وعلى جميع مظاهر الحياة ، فالقيم هي التي توجهنا للطريق الصحيح الذي نقوم بسلكه . ( البارودي ، 2014 )

ولهذا نرى أن القيم الأخلاقية لها الدور الكبير في مسيرتنا المهنية ، فتطبيق هذه القيم في العمل تؤثر على ادائنا فيه وهذا ما ينعكس على تطورنا و ارتقائنا في اعمالنا .

وهنا دعونا نقوم بتحليل قضية بيسموهان باني فمن وجهي نظري وبحسب ما مررت به في مسيرتي المهنية والتي تعتبر طويلة بعض الشيء فإن قضية بيسموهان باني من القضايا التي تثير العديد من التساؤلات حول الأخلاق المهنية والمسؤولية القانونية في بيئة العمل ، خاصة فيما يتعلق بسرقة المعلومات التجارية ، وبالرغم أن كثيراً من الموظفين قد يجدون مبررات لأخذ المعلومات من شركاتهم السابقة ، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أنه تصرف أخلاقي أو قانوني .

سهولة الوصول إلى المعلومات: هل تبرر السرقة ؟

إحدى الإشكاليات في قضية باني هي أنه استطاع الوصول إلى المعلومات بسهولة قبل مغادرته رسمياً ، حيث لم يتم منعه من دخول أنظمة الشركة ، وهذا ما يثير التساؤل : هل سهولة الوصول تعني أن الفعل أخلاقي ؟

من الناحية الأخلاقية لا يمكن تبرير السرقة بمجرد أن الشركة لم تحظر الوصول للمعلومات ، لأن هذا لا يغير طبيعة الفعل نفسه فحتى لو كانت الثغرة موجودة ، فهذا لا يعني أنه كان له الحق في استغلالها ، فالأخلاق تستند إلى المبادئ وليس إلى الفرص ، وبالتالي فإن تصرف باني يظل غير أخلاقي حتى لو لم يكن هناك حظر يمنعه .

هل كتابة باني للملفات تبرر تصرفه ؟

هناك تساؤل آخر يطرح نفسه هل لو كان باني هو من كتب هذه الملفات أثناء عمله ، فإن هذا يمنحه الحق في استخدامها بعد مغادرته ؟

الإجابة الأخلاقية والقانونية على هذا السؤال هي لا بالطبع ، فعندما يعمل الموظف في شركة ما فإن جميع الأعمال التي يقوم بها خلال فترة عمله تعتبر ملكاً للشركة ، وليس له الحق في أخذها بعد المغادرة ، وهذا الأمر يشبه عقود الملكية الفكرية التي تفرضها الشركات على موظفيها ، حيث يتم الاتفاق على أن أي شيء يتم إنتاجه أثناء التوظيف يظل ملكاً للشركة ، وليس للفرد الذي قام بكتابته ، لذلك سواء كان باني هو من كتب الملفات أم لا ، فإن ذلك لا يمنحه أي حق أخلاقي أو قانوني في استخدامها بعد مغادرته الشركة .

انتشار الظاهرة هل يبرر الفعل ؟

من المبررات التي قد تطرح هو أن العديد من الموظفين يقومون بمثل ما فعله باني، حيث يأخذون معلومات من شركاتهم السابقة للاستفادة منها في عملهم الجديد ، ولكن هل يعني ذلك أن هذا السلوك مبرر؟

لا يمكننا القبول بمبدأ (( الجميع يفعل ذلك )) كتبرير للخطأ فمجرد انتشار الخطأ لا يجعله صواباً ، بل يعني أن هناك مشكلة أخلاقية أوسع تحتاج إلى معالجة ، فالسلوكيات الخاطئة تصبح خطيرة عندما يتم انتشارها ، ولهذا السبب تضع الشركات قوانين صارمة لحماية معلوماتها ، وتعاقب أي شخص يخالفها ، لذلك فإن قيام الآخرين بنفس الفعل لا يجعل من تصرف باني أخلاقياً ، بل يدل على ضرورة تعزيز الوعي بأخلاقيات العمل وأهمية احترام حقوق الشركات .

من المسؤول عن إجراءات إنهاء العمل ؟

فيما يتعلق بالمسؤولية عن إنهاء العمل يمكن النظر إلى الجانبين :

1 - مسؤولية شركة إنتل : كان ينبغي على إنتل أن تتخذ إجراءات أمنية أكثر صرامة لمنع الوصول إلى معلوماتها الحساسة بعد تقديم الاستقالة مباشرة ، خاصة في حالة موظف لديه إمكانية الوصول إلى بيانات مهمة ، صحيح أن تقصيرها في تأمين معلوماتها لا يبرر سرقة البيانات ، لكنه يظهر ضعفا في إدارة الأمن المعلوماتي .

2 - مسؤولية باني : من الناحية الأخلاقية كان من المفترض أن ينهي عمله تماماً قبل بدء العمل في مشروعه الجديد بدلاً من استغلال فترة الإجازة للوصول إلى معلومات الشركة ، مجرد كونه رسمياً ما زال موظفاً لا يعني أنه يملك الحق في استغلال هذه الفترة لمصلحته الخاصة .

أما فيما يتعلق بحقه في العمل في شركته خلال الإجازة ، فهذا يعتمد على سياسات الشركة و لكن برأيي كان عليه أن يكون واضحاً بشأن نواياه ، وأن ينهي عمله تماماً قبل البدء بمشروعه الخاص فالقرار هنا ليس فقط قانونياً بل أخلاقياً أيضاً ، وكان الأجدر به أن يحترم علاقة العمل حتى اللحظة الأخيرة .

وفي الختام يمكن القول إن تصرف بيسموهان باني لم يكن مبرراً أخلاقياً أو قانونياً ، حتى لو كانت الشركة قد سمحت له بالوصول إلى المعلومات بسهولة و امتلاك الفرصة لا يعني امتلاك الحق ، والقرارات الأخلاقية لا تستند إلى الثغرات ، بل إلى المبادئ ، كما أن انتشار هذه الظاهرة لا يجعلها صحيحة، بل يعكس تحديات أخلاقية يجب التعامل معها بحزم.

أما عن المسؤولية فهي تقع على عاتق كل من الشركة والموظف ، حيث يجب على الشركات حماية بياناتها بشكل أفضل ، ويجب على الموظفين احترام أخلاقيات العمل حتى بعد مغادرتهم .

https://linktr.ee/jamil_hmo?utm_source=linktree_admin_share