الخوف ليس فقط شعوراً بيولوجياً مرتبطاً بردود فعل غريزية، بل هو
أيضاً بناء اجتماعي وثقافي يتشكل عبر القصص والأساطير والموروثات التي تنتقل من
جيل إلى آخر، ففي المجتمع السوري وخاصة في مدينة دمشق، يتجذر الخوف في الذاكرة
الجماعية من خلال حكايات الطفولة وأساطير الكبار التي تتناقلها الألسن في الحارات
القديمة والبيوت ذات الأحواش المظللة، تبدأ علاقة الإنسان الدمشقي مع الخوف منذ
الطفولة، عندما يحكى له عن مثل أبو دبي و الغول، وهي كائنات خرافية تستخدم لتخويف
الأطفال كي لا يخرجوا ليلاً أو يقتربوا من أماكن خطرة، ومع مرور الوقت تتطور هذه
العلاقة لتصبح أكثر تعقيداً، حيث يتحول الخوف من كائنات غير مرئية إلى رعب حقيقي
مرتبط بالماضي والحاضر. ( الهندي ، 2024 )
واحدة من أشهر الأساطير التي نشأنا عليها في دمشق هي حكاية بيت
الأبرش، وهو منزل مهجور في حي الميدان كان يقال إنه مسكون بالأرواح، كان الأطفال
يتجنبون المرور بجانبه ليلاً، ويؤمنون أن صرخات تسمع منه بعد منتصف الليل، هذه
الأسطورة غرست في أذهاننا أن الأماكن المظلمة أو المهجورة ليست آمنة، وربطت بين
الفضاءات المهملة والرعب الغامض. وربما كانت هذه القصص أداة رمزية للتعبير عن
الخوف من المجهول، والخطر الذي قد يكمن في كل زاوية من الحياة. ( حمزة ، 2024 )
الرعب في الثقافة الدمشقية لا يقتصر على الخيال والأساطير، بل يمتد
ليشمل الرعب الاجتماعي والسياسي، في العقود الأخيرة أصبح الحديث عن بعض المواضيع
نوعاً من الرعب الصامت، حيث تعلم الناس أن الصمت أحياناً أنجى من الكلام، هذا
التحول يعكس كيف ينتقل الخوف من الخرافة إلى الواقع، ويتشكل بناءً على التجارب
الجماعية والقيود الاجتماعية.
القصة التي قرأتها ضمن واجب هذا الأسبوع (( انت لي وحدي ))، والتي
تناولت حلم غامض في منام بطل القصة أيهم تكشف خيوط جريمة قتل طفلة مرعبة داخل
منزلهم الجديد، أعادت إلى ذاكرتي تلك البيوت الدمشقية القديمة التي كنا نخاف
الاقتراب منها، وأشعرتني بكم التشابه بين الرعب الذي ينبع من الداخل، والرعب الذي
يزرع فينا منذ الطفولة، البيت لم يكن مجرد مكان مغلق، بل رمزية للخوف الداخلي،
للذكريات المحبوسة، وللوحدة التي تحول حتى الأمان إلى تهديد.
في مجتمعي، يعد الرعب نوعاً من التربية، وأداة لضبط السلوك، لكنه يترك
آثاراً نفسية مستمرة، علم النفس يفسر ذلك من خلال مفهوم الخوف المكتسب، أي الخوف
الذي يزرع في اللاوعي منذ الصغر ويستمر معنا في مراحل لاحقة من حياتنا. كما يشير
التحليل النفسي إلى أن الأساطير المجتمعية تعبر عن رغباتنا المكبوتة ومخاوفنا
الجماعية، وهو ما يظهر بوضوح في أساطير دمشق التي تتراوح بين الحنين والرعب.
وفي الختام فإن الخوف في الثقافة الدمشقية ليس وليد لحظة أو جيل، بل
هو تراكمات من أساطير الطفولة، وصور نمطية، وتجارب حياتية تحولت إلى حكايات
تتناقلها الأجيال، فالرعب في هذه الثقافة هو وسيلة لفهم الذات والجماعة، وهو جسر
بين الخيال والواقع، بين ما نخشاه في الظاهر وما نحمله في داخلنا من مشاعر وهواجس.
قصص الرعب في دمشق ليست فقط وسيلة ترفيه أو تخويف، بل هي مرآة لهويتنا الثقافية،
تعكس ما نؤمن به وما نخافه وما لا نستطيع التصريح به.
الخلاصة:
المقالة تناقش الخوف في الثقافة الدمشقية باعتباره مزيجاً من
البيولوجيا والبناء الاجتماعي. تبدأ علاقة الدمشقي مع الخوف منذ الطفولة عبر
أساطير مثل "أبو دبي" و"الغول"، وتمتد إلى حكايات البيوت
المسكونة مثل "بيت الأبرش"، التي تجسد الخوف من المجهول والأماكن
المهجورة. مع مرور الزمن، يتحول الخوف من خرافات الطفولة إلى خوف اجتماعي وسياسي
صامت يعكس واقع الحياة. كما توضح المقالة أن الرعب الدمشقي ليس مجرد وسيلة للترفيه
أو التخويف، بل هو وسيلة لتشكيل الهوية الجماعية وفهم الذات، إذ يجمع بين الخيال
والواقع ويعكس الرغبات والمخاوف المكبوتة المتوارثة عبر الأجيال.
Summary:
The article explores fear in
Damascene culture as both a biological response and a social construct. From
childhood, fear is shaped by folklore such as “Abu Dabi” and “the Ghoul,” and
reinforced by tales of haunted places like the “House of al-Abrash,”
symbolizing the unknown and abandoned spaces. Over time, fear evolves from
childhood myths into social and political silence, reflecting lived realities.
The article emphasizes that Damascene horror is not just entertainment but a
cultural mirror—linking imagination and reality, expressing suppressed desires
and inherited anxieties, and shaping collective identity across generations.
المراجع
:
Reuauh
. ( دون تاريخ ) . انت لي وحدي . موقع واتباد .
تم الاسترجاع من الرابط
الهندي
، مريم . ( 2024 ) . مالذي نعرفة عن الخوف . موقع الجزيرة نت . تم الاسترجاع من
الرابط
حمزة
، خالد . ( 2021 ) . منزل عائلة الأبرش في منطقة الجسر الأبيض وقصص الجن المنسوجة
بخيال أهل دمشق . موقع تلفزيون سوريا . تم الاسترجاع من الرابط