حين نذكر الحضارة اليونانية، يتبادر إلى الذهن مباشرة مفهوم دولة
المدينة (Polis)،
حيث تشكلت ملامح السياسة والفكر الإنساني بشكل لم يسبق له مثيل، من بين هذه المدن
برزت أثينا وأسبرطة كنموذجين متباينين، أحدهما يميل نحو الديمقراطية والمشاركة
الواسعة في الحياة العامة، والآخر يتبنى النظام العسكري الصارم والسلطة المحدودة،
لكن على الرغم من اختلاف النهجين، فقد مثل كل منهما تجربة فريدة ساهمت في صياغة
الفكر السياسي القديم. ( مجدي ، 2018 )
كيف حصل الشعب في أثينا على حق المشاركة؟
بدأت أثينا كنظام ملكي، ثم تحولت إلى حكم النبلاء (الأوليغارشية). غير
أن التوتر الاجتماعي والاقتصادي دفع إلى إصلاحات عميقة قادها سولون، حيث ألغى
عبودية الديون وفتح باب المشاركة السياسية للطبقات الوسطى والدنيا عبر مجلس
الأربعمائة ومحكمة عليا منتخبة.
ثم جاء كلايسثينيس ليعرف بأبو الديمقراطية الأثينية، حيث وسع المجلس
ليضم خمسمائة عضو يتم اختيارهم بالقرعة، وأعطى الجمعية الشعبية (الإكليسيا) سلطة
اقتراح القوانين والتصويت عليها، ومع حكم بيريكليس بلغت الديمقراطية ذروتها، فأصبح
لجميع المواطنين الحق في المشاركة المباشرة، وتولى مجلس الجنرالات القيادة
التنفيذية بشكل جماعي. ( البدري ، 2015 )
كيف حصل الشعب في أسبرطة على حق المشاركة؟
على النقيض من أثينا، قامت أسبرطة على نظام صارم وضعه ليكورجوس، جعل
من الطاعة والانضباط العسكري حجر الأساس، لم يكن الشعب هناك يشارك في سن القوانين
كما في أثينا، بل كانت السلطة موزعة بين:
• ملكين يحكمان معاً
ويركزان على الشؤون العسكرية.
• مجلس الشيوخ
(الجيروزيا) المكون من 28 عضواً فوق سن الستين إضافة إلى الملكين.
• الجمعية الشعبية،
لكنها لم تكن تملك سوى حق الموافقة أو الرفض دون مناقشة.
• الأفوروس، وهم خمسة
مراقبين ينتخبهم المواطنون سنوياً، لهم سلطة كبيرة حتى على الملوك.
إذن، مشاركة الشعب في أسبرطة كانت شكلية ومحدودة، بينما ظلت السلطة
الحقيقية بيد النخبة العسكرية. ( مجدي ، 2018 )
من كان يشغل المنصب العام؟ وما القواعد التي تحكم الاختيار؟
في أثينا، شغل المناصب العامة المواطنون الأحرار، وغالباً ما تم
الاختيار عبر القرعة لضمان المساواة ومنع هيمنة النبلاء، أما المناصب العسكرية
المهمة، فكانت عبر الانتخاب، كما في حالة الجنرالات الذين انتخبتهم الجمعية
الشعبية.
في أسبرطة، تولى المناصب العامة كبار السن وأصحاب الخبرة العسكرية.
فمجلس الشيوخ كان محصوراً في من تجاوزوا الستين، بينما كانت المناصب الملكية
وراثية، والأفوروس كانوا ينتخبون من المواطنين لكن ضمن شروط صارمة مرتبطة بالولاء
للنظام. (
مطلوع ، 2025 )
أوجه الشبه بين الهيكل السياسي في أثينا وأسبرطة بحسب ماذكر اعلاه
• كلاهما اعتمد على
وجود مجلس يشارك في صياغة القرار (الخمسمائة في أثينا والجيروزيا في أسبرطة).
• وجود جمعية شعبية
تضم المواطنين، وإن كانت صلاحياتها مختلفة.
• محاولة إيجاد توازن
نسبي بين السلطة التنفيذية والتشريعية، وإن بدرجات متفاوتة.
أوجه الاختلاف
• نظام الحكم: أثينا
اتجهت نحو الديمقراطية المباشرة، بينما أسبرطة حافظت على الطابع الأرستقراطي
العسكري.
• آلية الاختيار: في
أثينا، القرعة والانتخاب كانا وسيلتين رئيسيتين، أما في أسبرطة فالغلبة كانت
للتوريث والخبرة العسكرية.
• دور الشعب: في
اثينا شاركوا فعلياً في صنع القوانين، بينما في اسبرطة اقتصر دورهم على التصديق
دون نقاش.
• الهوية: أثينا
ارتبطت بالثقافة والفنون والفلسفة، بينما أسبرطة ارتبطت بالانضباط والقوة
العسكرية.
وفي الختام فإن التجربتين الأثينية والأسبرطية تكشفان عن وجهين
مختلفين للحياة السياسية في اليونان القديمة، أثينا وضعت أسس الديمقراطية
والمشاركة الشعبية، بينما أسبرطة جسدت نموذج الدولة العسكرية الصارمة، ورغم
التباين الواضح فقد ساهم كلا النموذجين في إثراء التاريخ السياسي للإنسانية، وجعلا
من دولة المدينة اليونانية تجربة ملهمة ما زال أثرها ممتداً حتى اليوم.
المراجع:
مطلوع ، قتيبة . ( 2025 ) . دور دولة
المدنية البوليس في الحضارة اليونانية القديمة . موقع أكاديمية الابداع . تم
الاسترجاع من الرابط
https://www.creativityacademy.uk/blog/ancient-greek-civilization
مجدي ،
تنسيم . ( 2018 ) . بلاد اليونان القديمة . موقع الباحثون المصريون . تم الاسترجاع
من الرابط
البدري ، محمد . ( 2015 ) . من التاريخ
أثينا والديمقراطية . موقع الشرق الأوسط . تم الاسترجاع من الرابط