تواجه سوريا في السنوات الأخيرة أزمة بيئية متفاقمة تتمثل في ندرة
المياه، نتيجة الانخفاض الملحوظ في معدلات الهطول المطري، بالإضافة إلى تدهور
البنية التحتية وشح الموارد المائية، حيث تؤثر هذه الأزمة بشكل مباشر على نوعية
المياه والتربة، وتؤدي إلى تفاقم مشكلة السمية البيئية، سواء من خلال تركز
الملوثات في المياه الجوفية، أو من خلال تدهور التربة بسبب الاستخدام المفرط
للمبيدات والأسمدة الكيماوية دون وجود غطاء مائي كاف يخفف من آثارها.
المشكلة تتجاوز البعد البيئي لتلامس حياة المواطنين اليومية، إذ تهدد
الأمن الغذائي، وترفع من معدلات الأمراض المرتبطة بتلوث المياه، وتزيد من الضغط
على المجتمعات الزراعية التي تعتمد بشكل رئيسي على توفر مياه نظيفة وصالحة للري
والشرب. ( أورتو ، 2022 )
وفي هذه المقالة سوف أسلط الضوء على جذور المشكلة و آثارها وسبل
التخفيف منها.
وصف وتفسير المشكلة البيئية
تشهد سوريا موجات جفاف غير مسبوقة، ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى تأثيرات
التغير المناخي، فبينما كان الجفاف في الماضي نادر الحدوث، أصبح اليوم أكثر تكراراً
بسبب ارتفاع درجات الحرارة ما أدى إلى تسارع وتيرة التبخر وجفاف التربة وتراجع
المياه الجوفية، ورغم التغير البسيط في معدلات الأمطار، فإن الحرارة المرتفعة أدت
إلى خسارة نحو 2.2 مليار متر مكعب من المياه حتى عام 2022.
كما تأثرت الزراعة السورية بشكل كبير نتيجة شح المياه، حيث تعتمد
الزراعة بشكل رئيسي على الأمطار، وقد أجبر الجفاف المتكرر العديد من المزارعين على
ترك أراضيهم والبحث عن مصادر رزق بديلة، كما ساهمت سنوات الجفاف إلى جانب الصراعات
السياسية والاقتصادية، في تراجع حاد في إنتاج المحاصيل، فعلى سبيل المثال، انخفض
إنتاج القمح في عام 2021 إلى 1.05 مليون طن فقط، وهو أدنى مستوى منذ خمسين عاماً،
ويمثل انخفاضاً بنسبة 63% مقارنة بمحصول عام 2020، هذا التدهور يظهر مدى هشاشة
القطاع الزراعي أمام التغيرات المناخية، ويؤكد ضرورة تبني سياسات مائية وزراعية
مستدامة لمواجهة التحديات المستقبلية وضمان الأمن الغذائي للسكان. ( العطار ، 2024 )
التأثيرات على المجتمع والأسرة
بالنسبة لي ولعائلتي فإن هذا النقص الحاد في المياه النظيفة أثر بشكل
مباشر على حياتنا اليومية. في كثير من الأحيان، نضطر للاعتماد على مياه الصهاريج
التي تصل إلى المنازل، والتي لا يتم اختبار جودتها دائماً، مما يثير القلق بشأن
السلامة الصحية، أحد أفراد أسرتي أصيب بمشاكل في الكلى، وكان الطبيب يربطها بمصدر
المياه المستخدم في المنزل والذي غالباً ما يكون غير موثوق.
في الريف السوري حيث تعيش غالبية العائلات على الزراعة، أدى تلوث
التربة والمياه إلى انخفاض إنتاجية الأراضي الزراعية، وتراجع جودة المحاصيل. هذا
الواقع لا يؤثر فقط على الاقتصاد المحلي، بل ينعكس أيضاً على الأمن الغذائي الوطني،
وقد لجأ البعض إلى الهجرة نحو المدن أو خارج البلاد بحثاً عن مصدر رزق بديل مما
أدى إلى تفكك المجتمعات الزراعية التقليدية.
أسباب المشكلة البيئية
بحسب مقالة فيز سارة ( 2025 ) إن الأسباب الرئيسة لمشكلة التلوث في
التربة والمياه تعود إلى مزيج من العوامل الطبيعية والبشرية ومنها :
أولاً - التغير المناخي الذي تسبب في انخفاض معدل هطول الأمطار خلال
السنوات الأخيرة، ما جعل المياه المتوفرة أكثر تركيزاً بالملوثات.
ثانياً - سوء إدارة الموارد المائية حيث لا توجد محطات كافية لمعالجة
المياه، كما أن شبكات الري تعتمد على أنظمة قديمة تهدر كميات كبيرة من المياه.
ثالثاً - الاستخدام غير المنضبط للمبيدات الحشرية والأسمدة
الكيميائية، دون وجود رقابة فعالة أو وعي كافٍ من قبل المزارعين حول مخاطرها طويلة
الأمد. وقد أظهرت دراسة مشابهة في الإكوادور أن المبيدات الحشرية لها آثار كارثية
على التربة وصحة الإنسان عند استخدامها دون ضوابط.
حلول وتوصيات للحد من المشكلة
من الطرق الفعالة للتخفيف من تلوث المياه والتربة في سوريا هو تعزيز
الوعي البيئي لدى المجتمع، خاصة المزارعين، حول الاستخدام الآمن للمبيدات والأسمدة،
كما يجب دعم إنشاء محطات لتحلية المياه ومعالجتها، خصوصاً في المناطق الريفية التي
تعتمد على الآبار.
ويمكن إضافة حل آخر هو تحلية مياه البحر و نقل المياه من البحر
المتوسط إلى الداخل السوري يعد فكرة طموحة تهدف لمواجهة أزمة شح المياه عبر تحلية
مياه البحر وتوصيلها إلى المناطق العطشى، رغم جدواه المحتملة في دعم الزراعة
والصناعة والتنمية، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالتكلفة والبيئة والتنفيذ،
والواقع السياسي والاقتصادي، ومع ذلك يمكن أن يشكل فرصة لتنمية متوازنة ومستدامة
إذا تم دمجه برؤية استراتيجية، وتقنيات صديقة للبيئة وتعاون إقليمي فعال. ( محمد ، 2025 )
في الختام فإن ندرة المياه وتلوثها في سوريا ليست مشكلة بيئية فحسب،
بل هي أزمة تهدد الاستقرار الاجتماعي والصحي والاقتصادي للمجتمع، لا يمكن فصل هذه
الأزمة عن التغيرات المناخية العالمية أو سوء الإدارة المحلية، ولكن يمكن التخفيف
من حدتها عبر مجموعة من الحلول التشاركية التي تجمع بين وعي الأفراد ودور المؤسسات،
إن مواجهة هذا التحدي تتطلب رؤية استراتيجية تأخذ في الحسبان البيئة والإنسان على
حد سواء، قبل أن تتفاقم المشكلة أكثر فأكثر.
الخلاصة:
تعاني سوريا من أزمة مياه متفاقمة
نتيجة التغير المناخي، انخفاض هطول الأمطار، وتدهور البنية التحتية، ما أثر سلبًا
على نوعية المياه والتربة وأدى إلى تفاقم التسمم البيئي. هذه الأزمة تهدد الأمن
الغذائي، صحة السكان، والإنتاج الزراعي، وقد أجبرت بعض الأسر على الهجرة أو البحث
عن مصادر رزق بديلة. الأسباب الرئيسية تشمل التغير المناخي، سوء إدارة الموارد
المائية، والاستخدام غير المنضبط للمبيدات والأسمدة الكيميائية. ومن الحلول
المقترحة تعزيز الوعي البيئي، إنشاء محطات لتحلية ومعالجة المياه، وتشجيع مشاريع
كبيرة مثل تحلية مياه البحر ونقلها إلى الداخل، مع التركيز على تطبيق تقنيات صديقة
للبيئة والتخطيط الاستراتيجي. الأزمة في سوريا ليست مجرد مشكلة بيئية، بل تهدد
الاستقرار الاجتماعي والصحي والاقتصادي، وتتطلب تعاون الأفراد والمؤسسات لاتخاذ
إجراءات فعّالة ومستدامة.
Summary:
Syria faces an escalating water crisis due to climate change, reduced rainfall,
and deteriorating infrastructure, negatively impacting water quality, soil
health, and exacerbating environmental toxicity. This crisis threatens food
security, public health, and agricultural production, forcing some families to
migrate or seek alternative livelihoods. The main causes include climate
change, poor water resource management, and uncontrolled use of pesticides and
chemical fertilizers. Proposed solutions include raising environmental
awareness, establishing water desalination and treatment plants, and
implementing large-scale projects such as seawater desalination and inland
water distribution, using eco-friendly technologies and strategic planning. The
water crisis in Syria is not only an environmental issue but also a social,
health, and economic threat, requiring coordinated action by individuals and
institutions for effective and sustainable solutions.
المراجع
:
أورتو
، نينو . ( 2022 ) . أزمة المياه في سوريا: تقييم التقاطع بين تغير المناخ
والمصالح الجيوسياسية . موقع فاناك ووتر . تم الاسترجاع من الرابط
العطار
، جلال . ( 2024 ) . أزمة المياه والأمن الغذائي في سوريا . موقع صدى . تم
الاسترجاع من الرابط
https://carnegieendowment.org/sada/2024/04/syrias-water-and-food-security-crisis?lang=ar
محمد
، هشام . ( 2025 ) المياه وإعادة الاعمار رؤية وآفاق مستقبلية . موقع الجمهورية .
تم الاسترجاع من الرابط