في ظل توسع العولمة واتساع الأسواق الدولية، أصبحت الشركات متعددة
الجنسيات تبحث باستمرار عن أسواق جديدة لتوسيع نشاطها وزيادة أرباحها، هذه الشركات
تمتلك القدرة على الدخول إلى أسواق مختلفة بفضل إمكاناتها المالية والتقنية، إلى
جانب قدرتها على التكيف مع البيئات الاقتصادية والاجتماعية المتنوعة، فانتشارها لم
يعد مقتصراً على الدول المتقدمة، بل بات يشمل البلدان النامية التي تمتلك فرصاً
اقتصادية واعدة، وإن كانت تعاني من بعض التحديات. ( الخضر ، 2010 )
ومن هذا المنطلق يبرز التساؤل حول احتمال توسّع إحدى هذه الشركات في
السوق السورية.
برأيي هناك احتمال كبير لتوسع إحدى الشركات متعددة الجنسيات في سوريا
خلال السنوات المقبلة، وذلك لعدة أسباب مترابطة.
أولاً - يعاني السوق السوري من نقص واضح في العديد من السلع والخدمات
الأساسية بعد سنوات من الحرب، مما يجعله سوقاً متعطشاً لأي استثمار خارجي يمكن أن
يسد الفجوة في الإنتاج المحلي، هذه الحاجة تخلق بيئة مثالية لدخول الشركات
الأجنبية التي تمتلك خبرة في الإنتاج واسع النطاق والتوزيع الفعال.
كمثال على ذلك، يمكن النظر إلى شركة المراعي السعودية، التي تعد واحدة
من أبرز الشركات متعددة الجنسيات في مجال الصناعات الغذائية، فهذه الشركة تمتلك
خبرة طويلة في إنتاج الألبان والعصائر والمنتجات الغذائية ذات الجودة العالية،
ولديها شبكة توزيع قوية تغطي أسواقاً واسعة في الشرق الأوسط، فدخول المراعي إلى
السوق السورية سيكون خطوة منطقية واستراتيجية في ضوء وجود طلب مرتفع على المواد
الاستهلاكية الأساسية مثل الحليب والجبن والعصائر، إلى جانب توفر المواد الأولية
محلياً كالحليب الخام والقمح والفواكه، وهو ما يقلل من تكاليف الإنتاج والنقل.
إضافة إلى ذلك توفر سوريا فرصاً مغرية من حيث تكاليف العمالة المنخفضة
مقارنة بالدول المجاورة، وهو عامل أساسي يشجع الشركات متعددة الجنسيات على
الاستثمار، فالشركات الكبرى تبحث دائماً عن أسواق تستطيع من خلالها تحقيق إنتاج
مرتفع بتكاليف محدودة، وهو ما يمكن تحقيقه في السوق السورية، كما أن موقع سوريا
الجغرافي المميز، الذي يربط بين آسيا وأوروبا، يمنحها ميزة إضافية لتكون مركز
توزيع إقليمي للمنتجات الغذائية أو غيرها.
من جهة أخرى فإن الحكومة السورية بدأت تتجه نحو تشجيع الاستثمار
الأجنبي وإعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية، وهو ما يعزز من احتمالية جذب
الشركات الكبرى، ومع تحسن نسبي في الوضع الأمني، تزداد ثقة المستثمرين تدريجياً في
إمكانية العمل داخل السوق السوري في بيئة أكثر استقراراً.
لكن لا يمكن إغفال أن هناك تحديات قد تواجه هذا التوسع، مثل ضعف
البنية القانونية الخاصة بحماية المستثمرين، والعقوبات الاقتصادية التي ما زالت
تؤثر في حركة التجارة الدولية مع سوريا، ومع ذلك تبقى هذه العوائق قابلة للتجاوز
في حال وجود شراكات محلية قوية وتفاهمات حكومية مرنة.
وفي الختام أرى أن توسع الشركات متعددة الجنسيات في سوريا، مثل شركة
المراعي، أمر محتمل جداً بل ومطلوب اقتصادياً، نظراً لحاجة السوق المحلية للسلع
ذات الجودة العالية، وتوفر الموارد الطبيعية والعمالة الرخيصة، إلى جانب الموقع
الجغرافي المتميز، إن دخول هذه الشركات سيساهم في تنشيط الاقتصاد المحلي، وخلق فرص
عمل جديدة، ونقل الخبرات الإدارية والإنتاجية الحديثة إلى الداخل السوري، ما يجعل
هذا التوسع خطوة ذات فائدة متبادلة للطرفين.
المراجع :
الخضر ، علي . ( 2010 ) . إدارة الأعمال الدولية . دمشق ، سوريا : دار
رسلان للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط
https://platform.almanhal.com/Reader/Book/21978
