ad-cent ad-bot ad-h3-1 ad-top ad-cent ad-bot
📁 آخر الأخبار

إلى أي مدى كان المجتمع الروماني وأفكاره ذو أصول يونانية؟

 

إلى أي مدى كان المجتمع الروماني وأفكاره ذو أصول يونانية؟

 

من يتأمل في نشأة المجتمع الروماني وتطوره يدرك أن هذه الحضارة العظيمة لم تولد من فراغ، بل كانت ثمرة تفاعل طويل بين ثقافات متعددة، على رأسها الثقافة اليونانية التي سبقتها زمنياً وتأثيراً، فالرومان رغم ما امتازوا به من واقعية وانضباط، لم يترددوا في اقتباس الكثير من أفكار وفنون الإغريق، ثم صاغوها بطريقتهم الخاصة، لتظهر حضارة رومانية مميزة لكنها ذات جذور يونانية واضحة المعالم.

 

في بداياتها كانت روما مجرد مدينة صغيرة في شبه الجزيرة الإيطالية محاطة بمستعمرات يونانية مزدهرة على السواحل الجنوبية مثل كومي ونابولي وترينتوم، وقد كان للاحتكاك المباشر بهذه المستعمرات أثر بالغ في تشكيل فكر الرومان ونظرتهم إلى العالم، ومع توسع روما العسكري، لم يكن غزوها لمدن اليونان مجرد سيطرة سياسية، بل كان أيضاً غزواً ثقافياً، إذ جذبتها روعة الفنون والفلسفة والعلوم الإغريقية، فامتصتها روما واستوعبتها في نسيجها الاجتماعي والفكري.

 

يظهر التأثير اليوناني بوضوح في الدين الروماني، فبينما كانت آلهة الرومان الأولى رموزاً مجردة لقوى الطبيعة، فإنهم سرعان ما اقتبسوا آلهة اليونان وصوروها على شاكلة البشر، مانحينها أسماء لاتينية جديدة، مثل زيوس الذي أصبح جوبيتر، وأفروديت التي صارت فينوس، وأبوللو الذي احتفظ باسمه تقريباً، وهكذا امتد المعتقد الديني بين الحضارتين حتى أصبح من الصعب الفصل بينهما. ( حلاق ، 2011 )

 

أما في القانون والفكر السياسي، فقد تأثرت روما بعمق بتجربة أثينا في التشريع، فقد أوفدت لجنة لدراسة شرائع المشرع الإغريقي صولون، واستخلصت منها المبادئ التي بني عليها القانون الروماني الشهير في الألواح الاثني عشر، وهذا القانون لم يكن مجرد نقل، بل إعادة صياغة للفكر القانوني الإغريقي بطريقة تناسب المجتمع الروماني العملي والمنظم.

 

وفي مجال الفنون والعمارة، لم يكن الرومان سوى تلاميذ بارعين في مدرسة الإبداع الإغريقي، فقد اشتقوا معظم عناصر عمارتهم من الطراز الإغريقي، من الأعمدة والدعامات إلى الزخارف والنسب الهندسية، غير أنهم أضافوا إليها طابعهم الخاص المائل إلى الضخامة والعظمة، ويعد معبد فورتينا فيرليس مثالاً حياً على هذا التزاوج بين الرقي الإغريقي والقوة الرومانية.

 

حتى في الأدب والفلسفة، كان الإلهام يونانياً بامتياز، فقد اعتمد الشعراء الرومان مثل فرجيل وهوراس على النماذج الإغريقية في نظمهم، بينما ترجمت كتب أفلاطون وأرسطو إلى اللاتينية، فدخل الفكر الفلسفي الإغريقي إلى صميم التعليم والثقافة الرومانية، ولم يكن الرومان يخجلون من هذا الاقتباس، بل رأوه وسيلة للارتقاء بالذوق والعقل معاً. ( قندولي ، 2016 )

 

ومع مرور الزمن، أصبحت الثقافة الرومانية مزيجاً بين الطابع العملي الروماني والخيال الفلسفي الإغريقي، فقد أخذ الرومان من الإغريق حب الجمال والعلم، لكنهم أضافوا إلى ذلك النظام والانضباط والاهتمام بالدولة، وبهذا المعنى يمكن القول إن الحضارة الرومانية كانت الجسر الذي عبرت من خلاله روح اليونان إلى العصور اللاحقة بما في ذلك أوروبا الحديثة.

 

 

وفي الختام لا يمكن إنكار أن المجتمع الروماني وأفكاره كانت ذات أصول يونانية عميقة، فاليونان كانت بمثابة المعلم الأول، وروما كانت التلميذ الذي تعلم ثم تفوق في التنظيم والتطبيق، وهكذا ولدت حضارة خلدت اسمها لأنها جمعت بين فكر الإغريق وقوة الرومان، فكان نتاجها أحد أعظم فصول التاريخ الإنساني.

 

 

 

المراجع :

حلاق ، عبد اللطيف . ( 2011 ) . التاريخ الروماني . بيروت ، لبنان : دار النهضة العربية للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط

https://platform.almanhal.com/Reader/Book/22721

 

قندولي ، داوود . ( 2016 ) . معالم التاريخ الروماني . بيروت ، لبنان : دار النهضة العربية للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط

https://platform.almanhal.com/Reader/Book/104433

 

 

 

تعليقات



الاجتماعات المملة لا تضيف قيمة، بل تقتل الإنتاجية وتستهلك طاقة الفريق. إذا كنت تريد نتائج حقيقية، اجعل اجتماعاتك قصيرة، واضحة، وذات هدف محدد. ✨ لا تجتمع لمجرد الاجتماع، اجتمع لتحقق شيئاً! ⏳ كل دقيقة تُهدر في اجتماع غير ضروري هي دقيقة ضائعة من وقت العمل الفعّال. 🎯 حدد الهدف مسبقاً، التزم بالوقت، وركز على الحلول بدلاً من الجدل.