أثينا أم أسبرطة: أيهما أختار؟
عرفت المدن اليونانية القديمة تنوعاً كبيراً في أنماط حياتها، فقد
كانت كل مدينة تمثل نموذجاً خاصاً للعيش والتنظيم السياسي والاجتماعي، ومن بين هذه
المدن برزت أثينا وأسبرطة كأهم قوتين متناقضتين في الفلسفة والنهج، فأثينا اشتهرت
بالحياة الفكرية والسياسية التي منحت مواطنيها حرية التعبير والمشاركة في الشأن
العام، بينما أسبرطة كانت رمزاً للعسكرية والانضباط الصارم، حيث صيغت حياتها لتدور
حول التدريب الحربي والقوة الجسدية، هذا التناقض يجعل من السؤال أيهما أفضل للعيش؟
سؤالاً يعكس القيم التي يؤمن بها كل شخص. ( مطلوع ، 2025 ) 
بالنسبة لي لو خيرت بين العيش في أثينا أو أسبرطة، فإن اختياري سيكون
أثينا، رغم أنني لا أتفق مع جميع المبادئ التي كانت قائمة آنذاك، فإنا أميل نحو
الدولة المدنية، حيث يحترم الفرد بوصفه إنساناً له رأي وحق في المساهمة ببناء
المجتمع، أكثر من الدولة التي تجعل حياتها بالكامل أسيرة للفكر العسكري.
الحياة في أثينا كانت تعطي مساحة واسعة للتعبير عن الفكر والإبداع،
فقد ازدهرت الفلسفة والفنون والمسرح، وأصبحت المدينة مهد الديمقراطية التي منحت
المواطنين القدرة على المشاركة في اتخاذ القرارات، صحيح أن الديمقراطية الأثينية
لم تكن كاملة، إذ استبعدت النساء والعبيد والأجانب، لكن مجرد وجود فكرة أن المواطن
له حق في النقاش والقرار يعد نقلة كبيرة مقارنة بعصرها، هذا الجو الفكري والسياسي
المشجع يجعلني أميل إليها أكثر، لأنني بطبيعتي أبتعد عن العنف وأبحث عن مجتمع يتيح
حرية التفكير. (
البدري ، 2015 )
أما أسبرطة فقد تميزت بنظام صارم يقوم على القوة البدنية والانضباط
العسكري، فمنذ الصغر كان الأطفال يؤخذون للتدريب ليصبحوا جنوداً، وتقاس قيمة الفرد
بمدى خدمته في الجيش ورغم أن هذا النظام أنتج جيشاً قوياً يحمي المدينة من الأخطار
الخارجية، إلا أنني أجد نفسي بعيداً عن هذا الأسلوب من الحياة، فأنا لا أرى أن
قيمة الإنسان تنحصر في سيفه أو قوته، بل في عقله وقدرته على الإبداع، ولهذا لا
أستطيع أن أختار أسبرطة مكاناً للعيش، لأنني أفضل بيئة تحتضن التنوع وتفتح المجال
للنقاش أكثر من بيئة تحدد مصيرك منذ طفولتك في ثكنة عسكرية. ( مجدي ، 2018 )
أثينا أيضاً كانت مدينة مليئة بالحياة الاجتماعية والثقافية، فالمسارح
والحوارات الفلسفية والنقاشات في الساحات العامة، كلها كانت تشكل ملامح مجتمع حي
يزدهر بالفكر، وحتى وإن كنت أرفض بعض مظاهرها مثل وجود العبودية أو التمييز ضد
النساء، إلا أنني أؤمن أن الجو العام فيها كان أقرب لروح المدنية، التي تمنح
الإنسان فرصة أن يكون شريكاً في رسم مستقبله.
من جهة أخرى لا يمكن إنكار أن لأسبرطة جانباً يستحق التقدير، وهو
الانضباط وروح التضحية من أجل الوطن، غير أنني لا أجد نفسي منسجماً مع حياة تعرف
الإنسان فقط من خلال موقعه في الجيش، فاختياري لأثينا ليس رفضاً تاماً لأسبرطة، بل
تفضيلاً لنمط حياة أقرب لطبيعتي وتطلعاتي الفكرية. 
و في الختام لو عدت إلى زمن المدن اليونانية القديمة وخيرت بين العيش
في أثينا أو أسبرطة، لاخترت أثينا دون تردد، فبينما تمثل أسبرطة الصرامة والقوة
العسكرية، تمثل أثينا الفكر والإبداع والمشاركة المدنية، وهي القيم التي أؤمن بها
وأسعى للعيش في ظلها، ورغم رفضي لبعض مبادئها التي لم تكن عادلة بحق الجميع، إلا
أن روحها المدنية تجعلها المكان الأقرب لميولي، حيث يمكن للإنسان أن يعبر عن نفسه
بحرية ويساهم في بناء مجتمع أكثر انفتاحاً وإنسانية.
المراجع:
مطلوع ، قتيبة . ( 2025 ) . دور دولة
المدنية البوليس في الحضارة اليونانية القديمة . موقع أكاديمية الابداع . تم
الاسترجاع من الرابط 
https://www.creativityacademy.uk/blog/ancient-greek-civilization
مجدي ،
تنسيم . ( 2018 ) . بلاد اليونان القديمة . موقع الباحثون المصريون . تم الاسترجاع
من الرابط 
البدري ، محمد . ( 2015 ) . من التاريخ
أثينا والديمقراطية . موقع الشرق الأوسط . تم الاسترجاع من الرابط