في عالم الأعمال الحديث لم يعد التواصل مقتصراً على الأفراد الذين
يشتركون في لغة أو ثقافة واحدة، بل أصبحنا نعيش في فضاء تتلاقى فيه الثقافات
وتتباين فيه العادات، فالتواصل الفعال لا يعني مجرد تبادل الكلمات، بل هو قدرة على
تجاوز حواجز اللغة والعاطفة والاختلافات الثقافية لضمان فهم مشترك بين جميع
الأطراف، فالشركات العالمية اليوم تدرك أن نجاحها لا يقوم فقط على جودة منتجاتها
أو خدماتها، بل على قدرتها على بناء جسور من التفاهم والانسجام بين فرق عمل متنوعة
الخلفيات. ( الحريري ، 2016 )
وإذا افترضت أنني في اجتماع يضم خمسة أشخاص من قارات مختلفة: أمريكا
الشمالية، أمريكا اللاتينية، أوروبا، أفريقيا، وآسيا، فستكون أول خطوة لي هي
التحضير المسبق، سأحاول الاطلاع على خلفياتهم الثقافية لمعرفة ما قد يعتبرونه
أسلوباً محترماً في الحوار، أو ما قد يكون حساساً بالنسبة لهم.
فعلى سبيل المثال، قد يكون الحديث المباشر مرحباً به عند الأمريكي،
بينما يفضل الآسيوي أسلوباً أكثر تحفظاً وهدوءاً. ( كافي ، 2017 )
الخطوة الثانية هي استخدام لغة واضحة وبسيطة، سأبتعد عن العبارات
المعقدة أو الأمثال المحلية التي قد لا تفهم. وإذا شعرت أن أحد الحاضرين لم يستوعب
ما أقول، سأعيد صياغة كلامي بأكثر من طريقة، دون إشعاره بالإحراج، هذه المهارة
تعلمتها بالممارسة اليومية مع موظفين من آسيا، خاصة من الفلبين وإندونيسيا، حيث
كان حاجز اللغة يفرض علي أن أكون صبوراً، وأن أكرر الفكرة بأسلوب جديد حتى أتأكد
أنهم فهموا المقصود.
الخطوة الثالثة هي الاستماع الفعال، سأمنح كل شخص الفرصة ليعبر عن
رأيه دون مقاطعة، وسأُظهر من خلال لغة الجسد أنني مهتم بما يقوله، فالاستماع ليس
مجرد صمت، بل هو تواصل غير لفظي يبعث برسائل احترام وتقدير.
أما الخطوة الرابعة فهي مراعاة التنوع الثقافي في أسلوب النقاش،
سأحاول أن أوازن بين الرسمية التي قد يفضلها الأوروبي، والدفء الاجتماعي الذي قد
يراه اللاتيني جزءاً من نجاح الاجتماع، وسأحرص على أن أظهر الحياد، فلا أميل إلى
ثقافة على حساب أخرى، بل أجعل الجميع يشعر بأن صوتهم مسموع ومقدر. ( الحربي ، 2016
)
من خلال تجربتي العملية، أدركت أن التعامل مع موظفين من الفلبين أو
إندونيسيا يحتاج إلى قدر من التفهم والاحترام، فهم شعوب ودودة لكنها حساسة للنبرة
وطريقة الخطاب، لذا كنت أحرص دائماً على أن أخاطبهم بلطف، وأن أتأكد من أنهم
استوعبوا المطلوب عبر التكرار والشرح الهادئ، هذه التجارب العملية عززتها
المعلومات التي اكتسبتها من المقرر الدراسي، حيث تعلمت أن الاختلافات الثقافية
ليست عائقاً، بل فرصة لإثراء بيئة العمل بالأفكار المتنوعة والحلول المبتكرة.
لقد أضافت هذه الوحدة إلى معرفتي بعداً جديداً، حيث أوضحت أن التواصل
الفعال في بيئة متعددة الثقافات لا يتوقف عند اللغة فقط، بل يشمل فهم الرموز غير
اللفظية، مثل الاتصال البصري أو لغة الجسد، التي قد تختلف دلالاتها من ثقافة إلى
أخرى، كما شدد على أهمية تقبل التنوع بدلاً من مقاومته، وهو ما جعلني أُدرك أن
دوري كإداري لا يقتصر على إدارة المهام، بل على إدارة العلاقات الإنسانية بروح
منفتحة.
وفي الختام أرى التواصل الفعال في بيئة عمل تضم أشخاصاً من ثقافات
مختلفة هو تحد حقيقي، لكنه في الوقت نفسه فرصة لبناء بيئة أكثر وتنوعاً، ومن خلال
التحضير المسبق واستخدام لغة واضحة والاستماع الجيد، واحترام العادات المختلفة،
يمكن تحويل هذا التحدي إلى مصدر قوة، وتجربتي مع زملائي من آسيا علمتني أن
الاحترام والتفهم هما حجر الأساس لأي علاقة ناجحة.
المراجع:
كافي ، مصطفى . ( 2017 ) . إدارة الاعمال الدولية . عمان ، الأردن :
دار الاكاديميون للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط
https://platform.almanhal.com/Reader/Book/98997
الحريري ، محمد . ( 2016 ) . ثقافة العلاقات الاستراتيجية في إدارة
الشركات العالمية والمؤسسات الدولية والخاصة . عمان ، الأردن : دار الاكاديميون
للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط
https://platform.almanhal.com/Reader/Book/103586
الحربي ، نوف . ( 2016 ) . الاتصال في عالم متعدد الثقافات . موقع
الجزيرة . تم الاسترجاع من الرابط
https://www.al-jazirah.com/2016/20160419/rj5.htm
