العمود الفقري
للجمهورية الرومانية و أهمية العامة
حين نقرأ تاريخ روما القديمة، يتبادر
إلى أذهاننا صورة القياصرة ومجلس الشيوخ والجيوش الجرارة التي فتحت العالم، لكن
خلف هذه الصورة البراقة، هناك قوة أخرى كانت تعمل بصمت وتؤثر في كل تفاصيل الحياة
الرومانية، وهي قوة العامة، هؤلاء الذين لم ينتموا إلى طبقة النبلاء، لم يمتلكوا
الأراضي الواسعة، ولم يتربعوا على عرش السلطة، لكنهم مع ذلك كانوا قلب روما
النابض، وبدونهم ما كان لها أن تنهض وتصبح إمبراطورية عظيمة.
السؤال إذن: لماذا كان العامة مهمين
جداً لروما؟
العامة والاقتصاد الروماني
أول ما يلفت الانتباه هو الدور
الاقتصادي للعامة، لقد شكلوا العمود الفقري للإنتاج الزراعي، حيث كانوا يزرعون
الأراضي ويؤمنون الغذاء الذي اعتمدت عليه المدينة، كما عملوا في الحرف والصناعات
البسيطة، وساهموا في بناء الطرق والجسور والمعابد، فمن دون العامة كان الاقتصاد
الروماني سيتعطل تماماً، لأن النبلاء كانوا يعتمدون على عملهم، سواء كعمال أو
كجنود مزارعين يعودون للحقل بعد انتهاء الحملات. ( علي ، 2011 )
العامة والجيش
العامة لم يكونوا مجرد فلاحين أو عمال،
بل كانوا أيضاً الجنود الذين حملوا سيوفهم للدفاع عن الجمهورية، أغلب الجيش
الروماني كان يتكون من هذه الطبقة، هم الذين وقفوا في الصفوف الأولى للحروب،
دافعوا عن الحدود، وحققوا الانتصارات التي تفاخر بها مجلس الشيوخ، لذا فإن استقرار
روما العسكري كان مرهوناً بولاء العامة وقدرتهم على التضحية. ( المعرفة ، د ت )
العامة والسياسة
في البداية حرم العامة من المشاركة
السياسية، فكانت المناصب العليا محتكرة للنبلاء، لكن مع مرور الوقت ومع احتجاجاتهم
وثوراتهم، نجحوا في فرض وجودهم السياسي، أبرز مثال على ذلك الانفصال الأول، حين
انسحب العامة إلى جبل أفنتين وأجبروا النبلاء على الاعتراف بحقهم في انتخاب ممثلين
عنهم، عرفوا بالتريبونات، هؤلاء الممثلون أصبحوا صوت العامة في مواجهة استبداد
النبلاء، وهو ما عدل موازين القوى داخل الجمهورية الرومانية، لقد أثبت العامة أن
روما ليست ملكاً لطبقة واحدة، بل هي شراكة بين كل أبنائها. ( موقع المعرفة ، د ت )
العامة والعدالة الاجتماعية
أهمية العامة لا تتوقف عند الاقتصاد
والسياسة، بل تمتد إلى العدالة الاجتماعية، مطالبهم المستمرة ضد ظلم النبلاء وضد
استغلال الديون ساعدت في سن قوانين أكثر عدلاً، مثل قانون الألواح الاثني عشر،
الذي كان أول محاولة لتقنين الحقوق والواجبات في الجمهورية، وبهذه الطريقة لم يحسن
العامة وضعهم فقط، بل وضعوا الأسس لقوانين كان لها تأثير على العالم الغربي كله
فيما بعد. ( علي ، 2011 )
دعونا نتخيل روما من دون العامة، مدينة
بلا مزارعين وبلا جنود حتى بلا صناعات، كيف كانت ستصمد أمام جيوش الأعداء؟ كيف
كانت ستطعم شعبها؟ بل كيف كان يمكن لقوانينها أن تتطور من دون ضغط العامة ونضالهم؟
الحقيقة أن العامة كانوا الورقة الرابحة التي ضمنت بقاء الجمهورية واستمرارها، رغم
محاولات النبلاء حصر السلطة في أيديهم، لقد كانوا أشبه ببركان صامت، إذا اشتعل قلب
موازين القوى، وإذا رضي ضمن الاستقرار.
وفي الختام يمكن القول إن العامة لم
يكونوا مجرد طبقة اجتماعية ثانوية في روما، بل كانوا الأساس الذي قامت عليه قوتها،
بأيديهم زرعوا الأرض، وبسيوفهم دافعوا عن الحدود، وبنضالهم السياسي وسعوا معنى
المواطن والعدالة، لذلك كان العامة مهمين جداً لروما، ليس فقط لأنهم الأغلبية عدداً،
بل لأنهم الطاقة البشرية التي أعطت للجمهورية روحها وقوتها، إن قصتهم تذكرنا دائماً
بأن الشعوب مهما بدت بسيطة هي المحرك الحقيقي للتاريخ.
المراجع :
علي ، عبد اللطيف . ( 2011 ) . التاريخ
الروماني . بيروت ، لبنان : دار النهضة العربية للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من
الرابط
https://platform.almanhal.com/Reader/Book/22721
موقع المعرفة . ( دون تاريخ ) .
الجمهورية الرومانية . تم الاسترجاع من الرابط