يعتبر التفاوض من أهم أدوات بناء العلاقات التجارية الناجحة، خصوصاً عندما يجري بين أطراف تنتمي إلى ثقافات مختلفة، فالتفاوض ليس مجرد عملية اتفاق على الأرقام أو البنود، بل هو مزيج من التواصل، والفهم المتبادل، واحترام الاختلافات الثقافية. ( الطبقجي ، 2012 )
ومثال على ذلك دعونا نتخيل أنني أقوم بعمل مفاوضات مع رجل اعمال
فرنسي، فعندما يكون الطرف المقابل رجل أعمال فرنسي، فإن إدراك السمات الثقافية
لأسلوبه في الحوار والقرار يصبح أمراً حاسماً لنجاح عملية التفاوض.
السمات العامة للتفاوض مع الفرنسيين
بحسب سكروب ( 2017 ) إن الثقافة الفرنسية في مجال الأعمال تتسم
بتركيزها على العقلانية والمنطق، فرجل الأعمال الفرنسي غالباً ما يقدر النقاشات
التي تبنى على حجج عقلية، ويظهر احتراماً للتفكير المنهجي، وعليه فإن الدخول إلى
قاعة التفاوض مع الفرنسيين يتطلب الاستعداد الجيد، وتقديم العرض بأسلوب منظم يعتمد
على الحقائق والأرقام، بعيداً عن العشوائية أو المبالغة.
كذلك، يهتم الفرنسيون كثيراُ بالشكل والرسميات، سواء في طريقة اللباس
أو أسلوب المخاطبة، فالمصافحة الرسمية واستخدام الألقاب، وتقديم بطاقة العمل
بطريقة لبقة، كلها إشارات تدل على احترام الثقافة الفرنسية وتعطي انطباعاً أولياً
إيجابياً.
أسلوب التواصل مع رجل الأعمال الفرنسي
من خلال السمات التي ذكرتها سابقاً فعند التفاوض مع الفرنسيين، ينبغي
أن يكون أسلوب التواصل واضحاً ودقيقاُ، لا يفضل الفرنسيون الغموض أو العموميات، بل
يميلون إلى التفاصيل التي تظهر جدية الطرف الآخر، من المهم أيضاً تجنب المقاطعة
أثناء حديثهم، لأنهم يرون في ذلك قلة احترام، بينما يقدرون المستمع الجيد الذي
يظهر اهتمامه عبر لغة الجسد والتفاعل المناسب.
إضافة إلى ذلك، فإن الفرنسيين يعطون قيمة كبيرة لفن الحوار، فهم يحبون
النقاش العميق وإبراز وجهات النظر المختلفة، حتى وإن أدى ذلك إلى إطالة وقت
التفاوض، لذلك لا يجب أن أتوقع أن يصل الفرنسي بسرعة إلى القرار النهائي فالتفكير
والتحليل جزء أصيل من ثقافتهم.
أسلوب الاستماع والاختلاف في النمط
الاختلاف الجوهري بين نمط الاستماع الخاص بي ونمط رجل الأعمال الفرنسي
يكمن في الميل إلى المباشرة مقابل الميل إلى التحليل، فبينما قد أركز أنا على
الوصول إلى النتيجة العملية بسرعة وتوضيح النقاط الجوهرية، يفضل رجل الأعمال
الفرنسي أن يستمع بتمعن ويعيد صياغة الأفكار قبل التعليق، هذا يتطلب مني أن أبطئ
وتيرة حديثي، وأمنح الطرف الفرنسي الوقت الكافي لمعالجة المعلومات، مع إظهار الصبر
والاحترام.
أيضاً يجب أن أظهر انفتاحاً على النقاشات الفكرية التي قد يطرحها رجل
الأعمال الفرنسي، حتى وإن بدت غير مرتبطة مباشرة بالاتفاق التجاري، فهذه النقاشات
بالنسبة له ليست تضييعاً للوقت، بل وسيلة لاختبار جدية الطرف الآخر وعمق تفكيره.
التوازن بين الحزم والمرونة
رغم أهمية المنطق في التفاوض مع الفرنسيين، إلا أنهم يقدرون أيضاً
القدرة على الإقناع المدعومة بالكاريزما الشخصية، لذلك ينبغي أن يكون أسلوبي
مزيجاً من الحزم في عرض المطالب، والمرونة في الاستماع لملاحظاتهم وإيجاد حلول
وسط، إن إظهار الرغبة في بناء علاقة طويلة المدى أهم عندهم من مجرد إتمام صفقة
سريعة.
وفي الختام إن التفاوض مع رجل أعمال فرنسي ليس مجرد نقاش حول أسعار أو
عقود، بل هو تجربة ثقافية تتطلب وعياً بالاختلافات وفناً في التكيف، فالمفاوض
الناجح هو من يعرف كيف يوازن بين أسلوبه الخاص وبين ما يتوقعه الطرف الفرنسي، وضوح
في الطرح وصبر في الاستماع واحترام للتقاليد الرسمية، وعندما يدار الحوار بهذه
الطريقة، تتحول المفاوضات إلى فرصة لبناء شراكة قائمة على الثقة والاحترام
المتبادل، وهو ما يعتبر أساس النجاح في الأعمال الدولية.
المراجع :
الطبقجي ، محمود . ( 2012 ) . التواصل الثقافي في الأعمال الدولية . عمان ، الأردن :
دار غيداء للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط
https://platform.almanhal.com/Reader/Book/6334
سكروب ، شارا . ( 2017 ) . الثقافة الفرنسية ، ثقافة الأعمال : موقع culturalatlas . تم الاسترجاع من
الرابط
https://culturalatlas.sbs.com.au/french-culture/french-culture-business-culture
