تعرف العولمة على أنها عملية اندماج
وتكامل بين الدول والشعوب في مجالات متعددة، تشمل الاقتصاد والسياسة والثقافة
والتقنية والبيئة. وهي نتاج تطور وسائل الاتصال والمواصلات، وازدياد حركة التجارة
ورأس المال والمعلومات بين الدول. البعض يرى فيها جسراً للتقارب بين الشعوب، بينما
يراها آخرون وسيلة لفرض الهيمنة وجعل الدول النامية مجرد أسواق استهلاكية تابعة
للقوى الكبرى. ( عامر ، 2013 )
في بلدي سوريا تأثرت العولمة بشكل مباشر بالأحداث التي مرت بها البلاد
خلال العقد الأخير من حرب وعقوبات اقتصادية خانقة، فقد قلصت هذه الظروف من حجم
الانفتاح على العالم الخارجي، وجعلت العولمة في سوريا مقتصرة على نطاق محدود،
وخاصة فيما يتعلق بتوريد بعض السلع من دول محددة مثل روسيا أو إيران، بينما انقطعت
أو ضعفت العلاقات التجارية مع العديد من الدول الأخرى.
العولمة السياسية :
من وجهة نظري العولمة السياسية لم تكن إيجابية لسوريا، فالتدخلات
الخارجية تحت شعار الديمقراطية أو حقوق الإنسان أدت عملياً إلى تفاقم الصراعات
الداخلية، وزادت من عزلة البلاد بدل دمجها في النظام العالمي، كما أن القوى الكبرى
استغلت فكرة العولمة السياسية لفرض إملاءاتها وسياساتها على الدول الأصغر، ما
جعلها أداة للضغط بدل أن تكون وسيلة للتعاون.
العولمة الاقتصادية :
لا شك أن الانفتاح الاقتصادي قد يجلب فرصاً عديدة مثل دخول
الاستثمارات الأجنبية أو توفير سلع متنوعة بأسعار تنافسية، لكن في سوريا ومع
العقوبات والحصار اقتصر الأمر على بعض الشراكات المحدودة، أرى أن العولمة
الاقتصادية قد تكون جيدة بشرط أن تدار بحذر، بحيث لا تقتل المنتجات المحلية ولا
تجعلنا مجرد شعب مستهلك يعتمد على الخارج، هدفنا يجب أن يكون الإنتاج لا الاستهلاك
فقط، عبر تشجيع الصناعات الوطنية وحمايتها من المنافسة غير العادلة.
العولمة التقنية :
من أبرز جوانب العولمة النافعة في سوريا هو الجانب التقني، فرغم
الظروف تمكن الشباب السوري من الاستفادة من التكنولوجيا العالمية، سواء في مجالات
الطب أو التعليم أو ريادة الأعمال، غير أن المشكلة تكمن في الاعتماد المفرط على
الخارج، ما يجعل أي انقطاع تقني عالمي مؤثراً بشكل كبير، فالمطلوب أن نواكب
التكنولوجيا لكن مع بناء كوادر محلية قادرة على التطوير والإبداع لا مجرد
الاستهلاك.
العولمة الاجتماعية :
أعتقد أن العولمة الاجتماعية تحمل مخاطر أكبر من فوائدها بالنسبة
لمجتمع مثل المجتمع السوري، الذي يقوم على تقاليد راسخة وعادات متوارثة، إن
الانفتاح غير المدروس على أنماط حياة وقيم تختلف جذرياً عن ثقافتنا قد يؤدي إلى
تآكل الهوية وزعزعة الأسرة، وخلق فجوات بين الأجيال، لذلك لا أنصح بالانخراط
الكامل في هذا النوع من العولمة، بل يجب أن نأخذ منه ما يتناسب مع قيمنا فقط.
العولمة في المجال الطبي :
أرى أن المجال الطبي هو أحد أكثر الجوانب التي يمكن أن نستفيد فيها من
العولمة فالطب بطبيعته علم عالمي، وتبادل الخبرات والأدوية والتقنيات الجراحية أمر
ضروري لتطوير المنظومة الصحية في البلاد، هنا العولمة ليست خياراً بل ضرورة.
العولمة البيئية :
أما في الجانب البيئي، فالعولمة تسهم في رفع الوعي بأهمية حماية
البيئة ومكافحة التغير المناخي، الذي لا يعرف حدوداً سياسية، بالنسبة لسوريا يمكن
للعولمة البيئية أن تكون فرصة لتبني سياسات أكثر استدامة، سواء في إدارة الموارد
المائية أو في مكافحة التلوث، غير أن ذلك يحتاج إلى تعاون دولي فعال.
وفي الختام يمكن القول إن سوريا لم تنخرط في العولمة بالشكل الذي
شهدته دول أخرى بسبب ظروف الحرب والعقوبات، ورغم ذلك يبقى للعولمة أثر واضح في بعض
المجالات كالتقنية والطب، بينما تظل آثارها السياسية والاجتماعية مثار جدل وتحفظ
وجهة نظري أن العولمة ليست خيراً مطلقاً ولا شراً مطلقاً، بل هي أداة يمكن توظيفها
بما يخدم مصلحة الوطن، لكن الأساس أن نكون دولة منتجة لا مجرد مستهلكة، وأن نحافظ
على هويتنا وثقافتنا ونحن نتعامل مع هذا العالم المتشابك.
المراجع :
عامر ، سامح . ( 2013 ) . إدارة الأعمال الدولية . القاهرة ، مصر :
مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط
https://platform.almanhal.com/Reader/Book/112099
