اختلاف الحكومات والجيوش بين روما
وقرطاج وأسباب النصر الروماني
حين نعود إلى صفحات التاريخ القديم، نرى مشهداً مهيباً لمواجهتين
عملاقتين على ضفتي البحر المتوسط: روما وقرطاج، كان الصراع بينهما أكثر من مجرد
حروب، كان صداماً بين رؤيتين للحياة، ونموذجين مختلفين للحكم والتنظيم العسكري، فروما
التي ولدت من رحم الانضباط والصرامة، بينما قرطاج التي نهضت على التجارة والثراء
البحري، وجدتا نفسيهما وجهاً لوجه في صراع سيحدد من يملك زعامة العالم القديم.
كانت روما دولة جمهورية في ذلك الوقت، يقوم نظامها السياسي على مشاركة
متوازنة بين مجلس الشيوخ والقناصل المنتخبين والجمعيات الشعبية، هذه التركيبة
منحتها استقراراً سياسياً وقدرة على اتخاذ القرار الجماعي المدروس، خصوصاً في
أوقات الحرب، أما قرطاج فكانت تعتمد على نظامٍ أوليغاركي (حكم النخبة التجارية)،
حيث تهيمن العائلات الثرية على القرارات السياسية والعسكرية، وعلى الرغم من خبرة
هذه النخب في إدارة التجارة والمال، إلا أن تركيزهم على الربح المادي جعل قراراتهم
العسكرية أحياناً رهينة الحسابات الاقتصادية أكثر من الاستراتيجية القتالية. (علي،
2011).
من جهة الجيش برز الفرق الجوهري الذي حسم الصراع في النهاية، كان
الجيش الروماني جيشاً وطنياً بالدرجة الأولى، يتكون من المواطنين الذين يخدمون
بدافع الولاء للوطن، كانت الجندية عندهم شرفاً ومسؤولية مقدسة، تعكس روح الانضباط
والصرامة التي ميزت المجتمع الروماني، كل جندي في روما كان يرى في المعركة طريقاً
للمجد الشخصي ولعظمة الجمهورية، مما جعل وحدة الصف والتضحية من سمات الجيش
الروماني البارزة. ( زيدان ، 2013 )
أما الجيش القرطاجي، فكان مختلفاً تماماً، حيث اعتمدت قرطاج بشكل كبير
على المرتزقة الذين يستأجرون من مناطق متعددة مثل إسبانيا وإفريقيا وجزر صقلية،
ورغم أن هؤلاء المحاربين كانوا مهرة في القتال، فإن ولاءهم كان مرتبطاً بالأجر لا
بالوطن، هذا الأمر جعل قرطاج عرضة لأزمات متكررة، خاصة عندما تتأخر المدفوعات أو
تضعف الإمدادات، وهو ما ظهر بوضوح بعد الحرب البونيقية الأولى، حين تمرد المرتزقة
ضدها فيما عرف بحرب المرتزقة. ( فريد ،2012 )
وبحسب حلاق ( 2011 ) لقد امتلكت قرطاج عباقرة عسكريين لا يستهان بهم،
أبرزهم حنبعل برقا، الذي ألهم الأجيال بعبقريته في قيادة الجيوش عبر جبال الألب،
إلا أن عبقرية القائد وحدها لم تكن كافية لتعويض ضعف النظام السياسي الذي لم يدعم
جيشه بما يكفي من الاستمرارية أو الوحدة الداخلية، فبينما كان حنبعل يقاتل في
إيطاليا، كانت القيادة القرطاجية تتردد في دعمه منشغلة بتجارة البحر والذهب.
في المقابل استطاعت روما أن تحول كل خسارة إلى درس، وكل هزيمة إلى
فرصة للتعلم، فبعد أن تجرعت مرارة الهزيمة أمام حنبعل في كاناي، لم تستسلم بل
أعادت تنظيم صفوفها وطورت أساليبها الحربية، ووسعت تحالفاتها، والأهم أنها امتلكت
جيشاً قادراً على القتال جيلاً بعد جيل، بفضل ولاء المواطنين وإيمانهم العميق
بعدالة قضيتهم، فكانت روح الانتماء هي السلاح الذي لا يشترى بالمال وهو ما افتقدته
قرطاج. 
لم تكن نهاية قرطاج نتيجة معركة واحدة، بل ثمرة تراكم من الاختلافات
البنيوية بين النظامين، فقد أثبت التاريخ أن الثروة وحدها لا تصنع القوة، وأن
جيشاً من المرتزقة لا يمكنه أن يقف طويلاً أمام جيشٍ من المواطنين المؤمنين بوطنهم،
ومع أن قرطاج احترقت بنيران الحرب الثالثة، إلا أن رمادها ظل شاهداً على حضارة
عظيمة سقطت لا لضعفها المادي، بل لعجزها عن توحيد إرادتها. ( هنداوي ، د ت )
في نهاية المطاف يمكن القول إن فوز روما لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل
انتصار لفكرة الانتماء على المصلحة، وللإرادة الجماعية على الطموح الفردي، فبينما
قاتلت قرطاج من أجل الذهب والتجارة، قاتلت روما من أجل المجد والبقاء، وهكذا سطر
التاريخ بدماء جنودها انتصار بقي حديث العالم لعقود، كان سقوط قرطاج درسا أبديا
مفاده أن الولاء أقوى من المال، والإيمان بالوطن أعظم من كل السفن التجارية.
المراجع:
فريد ، محمد . ( 2012 ) . تاريخ الرومانيين . موقع هنداوي . تم
الاسترجاع من الرابط 
https://www.hindawi.org/books/69573150/
زيدان ، جرحي . ( 2013 ) . خلاصة تاريخ اليونان والرومان . موقع
هنداوي .تم الاسترجاع من الرابط 
https://www.hindawi.org/books/20281730/
علي ، عبد اللطيف . ( 2011 ) . التاريخ الروماني . بيروت ، لبنان :
دار النهضر للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط 
https://platform.almanhal.com/Reader/Book/22721
حلاق ، حسان . ( 2011 ) . التاريخ الروماني . بيروت ، لبنان : دار
النهضة للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط 
https://platform.almanhal.com/Reader/Book/22721
موقع هنداوي . ( دون تاريخ ) . انتهى تاريخ اليونان والرومان . تم
الاسترجاع من الرابط