الحرب البونية الثانية ونتائجها
مقدمة: الصراع الذي هز المتوسط
يعتبر الصراع التاريخي الطويل الذي احتدم بين روما وقرطاجة، والمعروف
باسم الحروب البونية، من أكثر النزاعات أهمية وإثارة على مر العصور، لم يكن هذا
الاحتكاك مجرد سلسلة من المعارك، بل كان صراعاً هائلاً بين أمتين عظيمتين ترتبت
عليه نتائج بعيدة المدى وغيرت وجه العالم القديم، ومن بين تلك الحروب تبرز الحرب
البونية الثانية (218 - 201 ق.م.). ( هنداوي ، د ت )
اندلعت شرارة هذه الحرب بعدما أدركت قرطاجة، في أعقاب هزيمتها في
الحرب البونية الأولى، أن روما قد أحكمت سيطرتها على البحر الأبيض المتوسط، هذا
التفوق البحري الروماني دفع قرطاجة إلى ضرورة البحث عن قاعدة برية قوية بديلة،
وبالفعل أرسل جيش لتنظيم ممتلكات قرطاجة في إسبانيا ، التي كانت منطقة غنية
بالمعادن والثروات الزراعية، لتعوض الخسارة الفادحة لجزيرتي صقلية وسردينيا. (
حلاق ، 2011 )
هنيبال والصمود الروماني
تعتبر الحرب البونية الثانية اختباراً لا مثيل له لقوة روما ومرونتها.
فبفضل مواهبه العسكرية الفائقة، تمكن هنيبال من عبور جبال الألب والوصول إلى
إيطاليا بجيش عظيم ، فكانت انكسارات روما في البداية مروعة. وفي خضم هذه الأخطار
المدلهمة، أظهر الشعب الروماني صموداً رائعاً لسنوات طويلة في وجه التهديد
القرطاجي غير المسبوق. وقد تركت نتائج هذا الصراع الملحمي الطويل آثاراً عميقة
ومزدوجة، إذ حملت في طياتها الخير والشر لإيطاليا وروما في آن واحد. ( حلاق ، 2011
)
نتائج الحرب البونية الثانية و آثارها على روما وإيطاليا:
وبحسب حلاق ( 2011 ) كانت نتائج الحرب عظيمة وتتجسد بالنقاط التالية
- توحيد إيطاليا وتأسيس الإمبراطورية: أبرزت الحرب البونية الثانية أهمية الوحدة الإيطالية في مواجهة الأخطار الخارجية، وقد أدت الحرب إلى دمج جميع أنحاء إيطاليا الواقعة جنوب جبال الألب في دولة متحدة تحت سيطرة روما المباشرة، هذا التوحيد القسري لم يكن مجرد ترتيب إداري، بل كان نقطة انطلاق لروما نحو التوسع والغزو فيما وراء البحر المتوسط، والأهم من ذلك أن هذه الحرب وضعت الأسس المتينة والراسخة للإمبراطورية الرومانية بنظامها الرائع الذي نعرفه اليوم.
- التردي الاقتصادي في إيطاليا: على الرغم من
الإنجازات السياسية والعسكرية الهائلة، فقد خلفت الحرب البونية الثانية جرحاً
اقتصادياً عميقاً في جسد إيطالي، فقد تركت البلاد في حالة من التردي
الاقتصادي، الذي يرى بعض المؤرخين أنه لم ينهض منه نهوضاً كاملاً أبداً، كانت
حملات هنيبال المدمرة والحروب الطويلة السبب الرئيسي في هذا الانحدار، مما
أثر على الحياة القومية والفردية للشعب الإيطالي.
- تغير أخلاق الشعب الروماني: من أعمق نتائج
هذه الحرب كان التغيير الذي طرأ على أخلاق الشعب الروماني، سواء الأغنياء
منهم أو الفقراء، فبعد أن كانت روما تتمتع بنزعة نظام وطاعة في الداخل، بدأت
تتعامل مع الأجانب بروح من الالتواء والشدة التي تصل إلى حد القسوة، ولقد
غيرت الحرب هذه الأخلاق إلى الأسوأ مما كانت عليه قبل اندلاعها ، حيث تراجعت
القيم النبيلة أمام النظرة العملية للحياة والسلوك السياسي القائم على
المصلحة والتوسع.
وفي الختام لقد كانت الحرب البونية الثانية حرباً فاصلة بكل المقاييس.
فقد كشفت عن عبقرية هنيبال من جهة، وأثبتت قدرة روما على التحمل والصمود أمام أقصى
المحن من جهة أخرى، ولقد دفعت روما ثمناً باهظاً لقاء بقائها وتحقيق انتصارها،
فبقدر ما حققت الحرب من نتائج إيجابية كتوحيد إيطاليا ووضع أسس إمبراطوريتها
العظيمة ، فإنها في الوقت ذاته أحدثت تدهوراً اقتصادياً عميقاً في إيطاليا، وغيرت
بشكل جذري أخلاق الشعب الروماني نحو الأسوأ، إن هذه الحرب تظل شاهداً حياً على أن
بناء أعظم الإمبراطوريات لا يتم إلا بتضحيات جسيمة تؤثر في مصير الأمة وكيانها
السياسي والأخلاقي والاقتصادي
المراجع :
حلاق ، حسان . ( 2011 ) . التاريخ الروماني . بيروت ، لبنان : دار
النهضة للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط
https://platform.almanhal.com/Reader/Book/22721
موقع هنداوي . ( دون تاريخ ) . انتهى تاريخ اليونان والرومان . تم
الاسترجاع من الرابط
https://www.hindawi.org/books/20281730/3/