إن مفهوم التنمية الذي تبناه الفكر الغربي والذي طورت مقاييس التنمية الكمية في ضوءه يركز على تحقيق نمو مستمر في الناتج القومي الإجمالي وما ينتج عنه تحقيق نمو مستمر في دخل الفرد الإجمالي , وما يؤدي اليه ذلك من تحسين في ظروف المعيشة للمواطنين في البلدان غير الغربية التي عرفت بالبلدان النامية . (( خمش ، 2004 ))
وقد استخدم مفهوم التنمية هذا في صياغة عدد من النظريات الغربية التي تشكل في مجموعها جوهر الفكر التنموي الغربي (( خمش ، 2004 ))
نظريات التنمية :
أولاً – نظرية النظام العالمي الحديث و مقولاتها
طرحت هذه النظرية صورة متفائلة الى حد ما بين العلاقة بين الدول النامية والدول المتقدمة والألية التي تقترحها هذه النظرية هي الانتقال من النمط الإنتاج الزراعي الى الإنتاج الصناعي المكثف . و أكدت على أن مجتمعات العالم هي وحدة واحدة متفاعلة , وأن المكانة التي تشغلها احدى الدول هي قوة جهازها الحكومي و كفاية مدنها الوطنية . (( خمش ، 2004 ))
ولنضرب مثال على دولة قامت بتبني احدى هذه النظريات للوصول الى التقدم و الخروج من التقليدية هي كوريا الجنوبية حيث حققت كوريا نمواً اقتصادياً سريعاً لم يسبق له مثيل في العالم. وأطلق العالم على الإنجاز الذي حققته كوريا الجنوبية ( معجزة نهر الهان)، ذلك نظراً لافتقارها إلى رأس المال والموارد الطبيعية، بالإضافة إلى تدمير معظم المنشآت الصناعية بها خلال الحرب الكورية التي استمرت ثلاث سنوات (١٩٥٠ـ١٩٥٣) ومنذ الستينيات، وضعت كوريا ونفذت خطة تنمية اقتصادية موجهة نحو الصادرات. كانت الصادرات الرئيسية للبلاد في بداية الأمر هي المواد الخام أو منتجات الصناعات الخفيفة المُصنعة في المصانع الصغيرة. ولكن بدايةً من السبعينيات، دفعت كوريا التنمية الاقتصادية ووضعت حجر الأساس لتصدير منتجات الصناعات الثقيلة من خلال الاستثمار في منشآت التصنيع الخاصة بها. وأصبحت الآن رائدة في صناعة أشباه الموصلات وشاشات العرض , ارتفعت صادرات كوريا الجنوبية من ٣٢٫٨٢ مليون دولار أمريكي فقط عام ١٩٦٠ لتكسر حاجز العشر مليارات دولار عام ١٩٧٧ حتى وصلت إلى ٦٠٤٫٩ مليار دولار أمريكي عام ٢٠١٨. وكان نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي عند إنشاء الحكومة عام ١٩٥٣ لا يتجاوز ٦٧ دولاراً فقط، بينما ارتفع بشكل كبير إلى ٣١٫٣٤٩ دولار عام 2018 . (( كوريا نت ، 2018 ))
ومن هذا المثال يتضح ليدنا بأن كوريا الجنوبية تحولت من بلد زراعي يعتمد على الزراعة التقليدية في الناتج القومي , الى بلد يدعم الصناعة المكثفة و العمل على تصديرها لجميع دول العالم , حيث اعتبرت أن جميع الأسواق العالمية هي سوق واحد بعض النظر عن مكانة هذه البلدان
ثانيا - نظرية التحديث ومقولاتها
رفض مراحل تطور المجتمع التي تقوم على المشاعية و العبودية و الإقطاعية والرأسمالية والاشتراكية وطرح مراحل بديلة فالمجتمع الإنساني يتغير عابراً خطاً مستقيما من التقليدية أو التخلف الى التحديث, و رفض الصراع الطبقي وطرح دعم النخبة أو الصفة التي تهيء الظروف للانطلاق نحو التحديث, وكما أن سبب التخلف في البلدان لا يعود إلى خضوعها للاستعمال وانما بسبب المؤسسات التقليدية التي تنمي اتجاهات وقيم لاعقلانية لدى الافراد التي تلاحظ في بلاد الشرق الأوسط العربية ستحول المجتمع من التقليدي الى الحديث , فالمجتمعات النامية تمر بمرحلة الانتقالية وهي مرحلة تعقب المرحلة التقليدية و ترافق دخولها العالم الحدبث , وستصل جميع المجتمعات الإنسانية الى وضع حضاري . وآلية التنمية هي السوق وليس التخطيط الحكومي و النمو الاقتصادي هو الأداة الأساسية لتحقيق التنمية , والمشاركة الشعبية الواسعة غير مطلوبة لتحقيق النمو الاقتصادي وانما يكفي ازدياد عدد الأشخاص الذين يتميزون بالشخصية الإنجازية لتحقيق التقدم الاقتصادي . ( خمش ، 2004 )
ثالثاً – نظرية التبعية ومقولاتها
وتفسر هذه النظرية أن التخلف و عدم النمو في البلدان النامية يعود الى الشروط الغير متكافئة للعلاقة بين هذه البلدان وبين بلدان الغرب الرأسمالية , وتعمل هذه الشروط على استمرار استنزاف الفائض من البلدان النامية وعدم السماح بتراكمه في هذه البلدان , فالأقاليم شديدة التخلف اليوم هي تلك الني كانت لها علاقة وثيقة مع مراكز النظام العالمي وكما أن وجود شركات متعددة الجنسيات في البلدان النامية لا يؤدي الى نمو هذه البلدان بسبب تحويل اغلي أرباح هذه الشركات الى البلدان المتقدمة وكما أنه يوجد سقف للتنمية في البلدان النامية وبالتالي فإنها لا تستطيع الوصول الى مستوى البلدان الصناعية المتقدمة التي تعمل على إبقاء الدول النامية في وضع التابع وإن تطلب ذلك استعمال القوة . (( خمش ، 2004 ))
رابعاً – نظرية العلاقة بين الحضارات المعاصرة و مقولاتها
ان سبب التخلف وعدم التقدم في الدول النامية هو الاستبداد و الانغلاق على ماضي تلك الدول وتراثها القديم وتجربتها الحضارية الخاصة بالرغم من الفشل الدائم لهذه التجربة في تقديم حلول حقيقية لمشاكلها المعاصرة والتي تشمل على الفقر و البطالة وتدني مستوى المعيشة وكثرة الانجاب والدكتاتورية والفساد . (( خمش ، 2004 ))
عدد الكلمات : 691
المراجع :
خمش , مجد الدين .( 2004 ). الدولة والتنمية في اطار العولمة . عمان , الأردن : دار مجدلاوي للنشر والتوزيع . تم الاسترجاع من الرابط :
https://my.uopeople.edu/pluginfile.php/1813345/mod_book/chapter/476641/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A5%D8%B7%D8%A7%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D9%84%D9%85%D8%A9.pdf
موقع كوريا نت . (( 2004 )) . الاقتصاد الكوري بين الاقتصادات العالمية - معجزة نهر الهان . تم الاسترجاع من الرابط :
https://arabic.korea.net/AboutKorea/Economy/The-Miracle-of-The-Hangang
جميل الحمو / 2023
الخلاصة :
يتحدث النص عن مفهوم التنمية ومقاييسها في الفكر الغربي، حيث يركز على تحقيق نمو مستمر في الناتج القومي ودخل الفرد الإجمالي لتحسين ظروف المعيشة في البلدان النامية. يتناول النص أيضًا ثلاث نظريات رئيسية للتنمية: نظرية النظام العالمي الحديث، ونظرية التحديث، ونظرية التبعية، ونظرية العلاقة بين الحضارات المعاصرة. يُذكر أيضًا مثالًا على نجاح كوريا الجنوبية في تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال تحولها من بلد زراعي إلى بلد صناعي يعتمد على الصادرات. يُشير النص إلى أن التقدم يتطلب التحول من التقليدية إلى الحديث والتطور في البنية الاقتصادية والاجتماعية.
Summary: The text discusses the concept of development and its measures in Western thought, focusing on achieving continuous growth in national output and per capita income to improve living conditions in developing countries. The text also addresses three main theories of development: modern world-system theory, modernization theory, dependency theory, and the theory of the relationship between contemporary civilizations. It also mentions the example of South Korea's success in achieving economic development by transitioning from an agricultural country to an industrial country dependent on exports. The text indicates that progress requires a shift from traditional to modern and development in economic and social structures.